تفاحة الحب

لقد خُدعنا جميعا في ثمرة الطماطم ! ..  إنها ليست فرداً من عائلة الخضروات كما يعتقد أغلب الناس . . فهذه النجمة المتألقة في عالم " الخضروات " ليست سوى ثمرة من عداد " الفواكه" ... التي لا ندري بالضبط كيف تم حشرها في زمرة الخضروات؟!!

لطالما أُطلق على هذه الثمرة اسم : " التفاحة المجنونة" أو " "تفاحة الغضب" اما الفرنسيون فقد أطلقوا عليها " بوم دامور" أي ( تفاحة الحُب) !! ولكن العلم الحديث ؛ كشف أخيراً عن الرابط بين الطماطم والتفاح .. و علاقة اللون الأحمر ... لون الحب .. بالقلب !!

التاريخ و الإنتشار


يعتقد أن هذه الثمرة الفذة قد تحدرت – في شكلها البريّ - من جبال الأندز في أمريكا الجنوبية ؛ حيث ترجع في نشأتها إلى سلالات البندورة ذات الثمار الصغيرة جدا من الصنف النباتي L. eseulentum var. cerasiforme والتي تنمو بحالة برية في أمريكا الجنوبية.

بعد ذلك ،انتشرت شمالاً إلى أمريكا الوسطى مع الهنود المهاجرين . حيث كانت بداية استئناس الطماطم في المكسيك، حيث قامت قبائل قبائل الأزتيك و المايا بغرس نبتة " زيتوماتلي" التي عُرفت فيما بعد باسم " توماتل " أو " توماتي" ؛ وهم الذين اعطوا هذه الثمرة اسمها.

 انتقلت ثمرة الطماطم من المكسيك إلى الفلبين، وفي مطلع القرن السادس عشر حمل الفاتحون الإسبان ثمرة الطماطم إلى أوروبا. حيث لاقت قبولاً عاماً وسريعاً في اسبانيا وإيطاليا ؛ وذُكرت لأول مرة في إيطاليا في عام 1554. ولكنها بقيت في موضع شك في بقية انحاء أوروبا . 

زُرعت الطماطم في بريطانيا خلال القرن السادس عشر كنبتة للزينة ؛ ومن هناك حملها المهاجرون إلى أمريكا الشمالية، حيث جاء ذكرها لأول مرة عام 1710، كما كتب عنها توماس جيفرسون في عام 1782 . غير انها لم تظهر في أسواق الخضر الأمريكية إلا في القرن التاسع عشر ؛ وفي العام 1835 جاء في صحيفة " مين فارمر" : (ان الطماطم تزرع في ولاية مين كصنف مفيد على مائدة كل إنسان ) .  وكانت بداية زراعتها كمحصول تصنيعي في ولاية بنسلفانيا الأمريكية عام 1847.

ظل الإقبال على زراعة واستهلاك الطماطم محدودا بسبب انتشار اعتقاد خاطئ مفاده أن ثمارها سامة للإنسان، وربما كان السبب في ذلك أن ثمارها قريبة الشبه من تلك الفصيلة المرعبة من النباتات السامة " سولاناسيا" وهي ثمار سامة من العائلة الباذنجانية ومنها أنواع كثيرة . وقد بقى الوضع على هذا الحال حتى منتصف القرن التاسع عشر حينما بدأ التوسع في زراعة الطماطم في الولايات المتحدة . وفي الولايات المتحدة ؛ رفعت هذه الأعجوبة الحمراء رجالا إلى عتبة الشهرة والثراء ؛ ومن هؤلاء (جوزف كامبل) مؤسس كبرى شركات العالم لصنع الحساء الذي بدأ عمله بتعليب لحم لحم البقر مع الطماطم. ومن الولايات المتحدة تمددت ثمار الطماطم وانتشرت باقي أنحاء العالم.

ثمرة عالمية


تحظى ثمرة الطماطم بشعبية كبيرة ؛ فهي تناسب أي نوع من الأطباق .. ويكفي أن تلقي نظرة خاطفة في مطابخ العالم حتى تتعرف على مدى شعبية وجاذبية ثمرة الطماطم ؛ تتأمل لائحة المعجنات الإيطالية المُزيّنة بشرائح الطماطم ؛ وما يقدمه المطبخ الفرنسي من احتفاء بالطماطم منذ أيام كاريم العظيم ملك الطهاة ححساء " غازباتشو " الأسباني الشهيرصلصة الطماطم الساخنة التي  تعتبر طبقا أساسياً لا غنى عنه في الهند واندونيسيا ؛ وكل شعوب الأرض تقريبا يشوون الطماطم على أسياخ مع قطع من لحم الضأن ؛ ويقدمونها مع أطباق السلطة الطازجة. دخلت الطماطم المطبخ العربي أيضاً فأصبحت لا تكاد تخلوا منها المائدة العربية في كل الوجبات، والوجبات السفرية كذلك، ودخلت أيضاً كمشروب وعصير لذيذ.


التوازن المثير بين السكر والحامض والحلاوة والحموضة ؛ يعطي ثمرة الطماطم طعمها اللذيذ ؛ حتى بعد تعليبها .


سلّة الفيتامينات والمعادن

يبدو أن هذه الثمرة  اللذيذة لا تُطيّب نكهة كل الأطباق فحسب ؛ فقيمتها تتجاوز حدود مذاقها ؛ وذلك  لغناها المتميّز بالكثير من الفوائد والفيتامينات التي تحافظ على صحة جسم الإنسان . ومع أن 93,5 % من حجم ثمرة الطماطم عبارة عن ماء صرف ؛ فإن هذه الثمرة المفيدة تحوي كذلك على المغنيسيوم والنياسين والحديد والفسفور والريبوفلافين والصوديوم والثيامين . وهي غنية بالبوتاسيوم الذي يساعد على خفض المستوى المرتفع لضغط الدم.


تحتوي الطماطم أيضاً على كميات كبيرة من فيتامين A  ومادة البيتاكاروتين التي يستخدمها الجسم لتصنيع الفيتامين A . بالإضافة إلى فيتامين A ؛ تحتوي ثمرة الطماطم على الفيتامينات E  و C . ومن الملاحظ أن  فيتامووين C الموجود في الطماطم لا يتعرض للتلف سريعاً ؛ نظراً لكونه محميا بواسطة الأحماض ، وتزداد كمية هذا الفيتامين كلما اكتمل نضج الطماطم  ؛ إذ لا يستفاد من الطماطم بكامل خصائصها الا عندما تكون بكامل نضجها .

ويجب التنبه إلى لون الثمرة قبل تناولها ؛ حيث يحدد لونها قيمة العناصر الغذائية التي تحملها .  ولهذا يفضل الخبراء عدم اكل الطماطم وهى خضراء لأنها لا تكون مكتملة النضج  ؛ وايضا عدم أكلها عندما يصبح لونها أحمر جداً حيث تفقد بعض من عناصرها الغذائية. وقد اكتشف الباحثون أن الطماطم عندما يميل لونها إلى اللون البرتقالي تصبح كاملة العناصر الغذائية والفيتامينات والأملاح المعدنية وتصبح جاهزة للأكل.

الليكوبان.. سِـرّ اللون الأحمر


ثمرة الطماطم ذات منافع وخصائص طبية جمة ؛  ناهيك عن كونها ثمرة لذيذة وسهلة الهضم ؛ فهي ذات محتوى منخفض من الدهون والسعرات الحرارية ( 17 سُعر حراري لكل 100 جم ) ؛ لأنها  تحتوي على كمية قليلة جدا من الكربوهيدرات ؛ ولذلك يمكن أن  تفيد في تغذية المصابين بداء السكري وكذلك الأشخاص الذيت يرغبون في تنحيف أجسادهم. غير أنّ الاهتمام مؤخراً بالعناصر الغذائية للبندورة يتركّز على مادة الليكوبان Lycopene أي الصبغية التي تمنح هذه الثمرة لونها الأحمر المتميّز .

فالليكوبان مضاد للأكسدة قويّ المفعول ، يساعد الجسم على محاربة الشوادر الحرة – تلك الجزيئات الشاردة الناجمة عن عملية التأكسد والتي تلحق الضرر بالخلايا وتؤدي إلى الأمراض والشيخوخة المبكرة – وتساعد الخصائص المضادة للتأكسد لمادة الليكوبان على تجنّب أهم المشاكل الصحية كأمراض القلب .وقد أكدت نتائج  البحوث الحديثة ذلك ؛ حيث تبين أن تناول الطماطم أو أحد منتجاتها كل يوم سواء في شكلها الطبيعي أو صلصة أو كاتشاب يقلل من احتمالات الإصابة بأمراض القلب إلى النصف‏.

كما  أظهرت دراسة حديثة أجراها فريق من الباحثين في جامعة ولاية كارولينا الشمالية في أمريكا ، أن مادة الليكوبان تتمتع بالقدرة على حماية الكوليسترول من التأكسد . ومن المعروف أن المعدل المرتفع للكوليسترول يرفع من خطر الإصابة بمرض القلب ، لكن هذا الأمر يحدث فقط عندما يتأكسد الكوليسترول أي يتضرر من جراء تكاثر الشوادر الحرة ، فينجم عنه احتمال انسداد الشرايين التاجية .

كشفت دراسة أخرى لجامعة تورنتو في كندا أن الحمية الغنية بالطماطم قد تساعد على الوقاية من داء ترقّق العظام ، حيث وجد الباحثون أن مادة الليكوبان تثبّط نشاط الخلايا المسؤولة عن تقليص كثافة العظام .



كم نحتاج من الليكوبان؟؟!


يعتقد الخبراء أن استهلاك ما يقارب 250 ملليلتر من عصير البندورة أو 150 ملليلتراً من صلصة البندورة المطبوخة من شأنه تأمين ما يكفي من الليكوبان للحفاظ على صحة جيدة . ينصح الخبراء بتناول البندورة المطهوة ، لأن مادة الليكوبان تصبح بعد هذه العملية أكثر قابلية وسهولة للامتصاص من قبل الجسم ،وهذا يعني أن الصلصة وحتى الكاتشاب هما مصدر لليكوبان أكثر فعّالية من البندورة الطازجة .كذلك يوصى بحفظ البندورة خارج البرّاد ،لأن الحرارة الباردة تفقدها نكهتها ومذاقها ، ومن المستحسن أن تؤكل في أقرب وقت ممكن بعد شرائها .


إنه الليكوبان إذن .. سر اللون الأحمر .. لون التفاح .. ولون القلب الأحمر .. أيقونة الحب والرومانسية..

 فهل كان الفرنسيون على حق .. عندما أطلقوا على تلك الثمرة المميزة ذلك الاسم المفعم بالرومانسية " 

بوم دامور" أي ( تفاحة الحُب) !!


بقلم : د / صهباء بندق  

 طبيبة مناعة وروماتيزم،  ومهتمة بالطب البديل والعلاج بالإبر الصينية و بالحجامة و الضغط على النقاط الفعالة. أهوى الكتابة والسفر والتصوير ، تهمني صحة البشر الجسدية والنفسية  ويعنيني السلام الداخلي والهدوء والاطمئنان، وأرجو أن تكون لكلماتي نصيبًا منهما.  

تم عمل هذا الموقع بواسطة