يتكون المفصل من أنسجة حيّة ؛ لذلك فمفاصلنا مثل جميع الكائنات الحيّة تتأثر بتغير فصول السنة . يظهر هذا التأثر على هيئة ألم تارة ؛ وتارة بالنمو وأخرى بالجفاف. في أي فصل من فصول السنة : تجنب التعرض لدرجات متطرفة من الحرارة أو البرودة .. تجنب قلة المياه و قلة الحركة . لكن كيف يؤثر كل فصل على مفاصلك ؟!
الخريف صديق مفاصلك ؛ نظراً لاعتدال الطقس أثناء فترة الخريف و خلو الجو من عوامل الحساسية التي تسبب أنواعاً مختلفة من الحساسية : مثل حمى القش , بالإضافة لغياب السحابة السوداء و انخفاض درجه التلوث البيئي . فالمفاصل مثل أي كائن حيّ؛ تتأثر بالملوثات البيئية .
الشتاء عدو المفاصل بامتياز ؛ فيه تكون عرضة اكثر للالتهابات والنشاط المناعي للأمراض الروماتيزم المناعي مثل : الروماتويد والذئبة الحمراء ؛ فيه تنشط أيضاً البكتريا العقدية ((group A streptococcus)) التي تعرف بالـ ميكروب السبحي لأنها تشبه السبحة تحت المجهر . وهي الميكروب المسؤول عن الإصابة بالحمى الروماتيزمية ؛ ويُعزى سبب هذا النشاط إلى انخفاض مقاومة الجسم لهذا الميكروب خلال فصل الشتاء بالإضافة لأن انخفاض درجة الحرارة يقلل كمية الدم التي تصل إلى المفصل ؛ فاختلاف درجه الحرارة يؤثر على انقباض وانبساط الاوعية الدموية المغذية للمفصل ؛ وهكذا يؤدي نقص التروية الدموية بالمفصل إلى أن يفقد المفصل حيويته ما يجعله عُرضة أكثر للإصابة بالإلتهابات غير الميكروبية .
ويحدث أن تتعرض مفاصلك للجفاف بشكل غير مباشر ؛ فأنت لا تشعر بالحاجة لشرب الماء خلال فصل الشتاء لأن الجسم بسبب شعوره بالبرد يفقد الماء ببطء ؛ وهكذا لا تشعر بحاجتك للماء الا بعد فتره طويلة . وخلال فترة عدم الشرب الطويلة هذه ؛ تقل نسبة الماء فى المفاصل فتصاب بالجفاف . واغلب من يتعرضون لهذا هم كبار السن . من ناحية اخرى فان البرد يُبرز آلام العظام بشكل عام و يشمل ذلك المفاصل ؛ فهي مكونة بالأساس من العظام المرتبطة بواسطة الأربطة وأوتار العضلات المرتبطة بها . و رغم أن هذه الأعراض قد تكون مزعجة إلا أنها قد يمثل جرس انذار للمصابين بالتهاب المفاصل المبكر فالألم يحفزهم على التوجه للطبيب ومتابعة الحالة في مراحلها الأولى .
ترتفع معدلات الاصابة بالحساسية لدى الأشخاص المصابين بأمراض فرط التحسس مثل : حمى القش ؛ وتفاعلات التحسس تعمل على زيادة الارتشاح فى بعض المفاصل . ومعنى الارتشاح ؛ ارتفاع نسبة الماء داخل المفصل بشكل كبير ؛ يمكن القول أنه شكل من أشكال التورم الناتج عن الحساسية ؛ تماماً كما تتورم عين الشخص المصاب بالحساسية و خداه ويصاب بالرشح نتيجة احتقان وتورم الجيوب الأنفية في موسم تفتح الزهور وانتشار حبوب اللقاح في الجو وتكاثر الحشرات.
ونتيجة لوجود مهيجات المناعة هذه في الجو خلال الربيع ؛ تزيد فرص استنشاقها ومن ثم جريان هذه المواد فى الدم ؛ وصولاً إلى المفاصل فتهيج الغشاء الزلالي وتسبب التهابات شديدة ؛ خاصة لمرضى الروماتويد. الربيع والشتاء ؛ فرصة نجاح صداقته مع مريض الروماتويد تساوي صفر !
تتغذى الغضاريف عن طريق السائل الزلالي من خلال عملية النتح التي تشبه التعرق من خلال الجلد . وعملية النتح هذه تحتاج الى درجة لزوجة معتدلة ؛ ليست مرتفعة ولا منخفضة للغايه . درجة تسمح للمواد الغذائية أن تنفصل بطريقة معينة عن السائل الزلالي و تخترق السطح المبطن للمفصل دون دخول السائل الزلالي أو أي أوعيه دمويه داخل السطح الغضروفي . بشكلٍ كبير ؛ يتكون السائل الزلالي الموجود داخل المفصل من المياه .
في الحقيقة يمكن وصف بعض المفاصل ببالون أو كرة من الماء . من الضروري أن تشرب كميات كبيرة من السوائل خلال فصل الصيف للحفاظ على حيوية الغضاريف التي ترتوي وتتغذى على السائل الزلالي . فى الصيف مع ارتفاع درجة الحرارة ؛ نفقد كميه كبيره من المياه مع العرق خلال عملية التعرق ؛ فيحدث جفاف داخلي و تزيد درجة حرارة الجسم داخلياً . وعندما تتعرض المفاصل للجفاف بسبب فقد كميات كبيرة من الماء ؛ تتحول الغضاريف الملساء المُبطنة للمفصل من سطح بلورى شفاف إلى سطح متشقق قاتم يبدا فى التشقق ويصبح قاتماً بسبب الجفاف .
وعلى طريقة ميكانيكية العطش ذاتها التي أشرت لها في فصل الشتاء ؛ إن لم يتم تعويض بكميات كافيه من السوائل ؛ هذا الجفاف سوف يؤدي إلى زيادة لزوجه السائل الزلالي . وهذه اللزوجة سوف تُعرقل الدورة الزلالية داخل المفصل ؛ فتزايد اللزوجة لن يسمح للسائل الزلالي بالتحرك بالشكل المطلوب ؛ ما يؤدى بالنتيجة إلى نقص تغذيه الغضاريف وجفاف السطح الغضروفي للمفصل .
كذلك إذا انخفضت لزوجة السائل الزلالي للغاية سوف تؤثر على عملية نقل المواد الغذائية من السائل الزلالى إلى سطح المفصل . الجفاف في الشتاء يحدث بسبب تغافل شرب الماء لعدم احساسنا بالعطش ؛ لكن الجفاف السريع في الصيف قد يكون بدوره دافعا للعطش ؛ ومن ثم تناول الماء بكثرة مما يعود على المفاصل بالفائدة. لكن هذا السيناريو لا يسري للأسف على كبار السن والمُقعدين الذين لا يستطيعون الحركة . حيث تضطرب آليات الاحساس بالعطش لدى المسنين ؛ والمرضى الملازمين للفراش والمعاقين لا يمكنهم تأمين الماء لأنفسهم . و هذه الحالات تحتاج إلى متابعة من اقربائهم لضمان تعويض ما يفقده الجسم من الماء وتأمين تروية جيدة للمفاصل .
بقلم : د. صهباء بندق
طبيبة مناعة وروماتيزم ، ومهتمة بالطب البديل والعلاج بالإبر الصينية و بالحجامة و الضغط على النقاط الفعالة. أهوى الكتابة والتصوير ، تهمني صحة البشر الجسدية والنفسية ويعنيني الهدوء والاطمئنان، وأرجو أن تكون لكلماتي نصيبًا منهما.