متى تقول لا للجراحة ??!


يقول لك طبيب الاطفال" انها المرة الرابعة التي يصاب فيها ابنك بالتهاب اللوزتين هذه السنة . لذا انصح باستئصالهما " . يقول لك اختصاصي المسالك البولية " انت تبول ست مرات او سبعا في الليلة الواحدة كما أن معدل الفيض بطئ . انت تحتاج الي استئصال غدة البورستات ". يقول لكِ طبيب الأمراض النسائية " مازال ذاك الورم الليفي الرحمي صغيرا لكنه سيسبب لك متاعب لاحقا . ألم تكتمل عائلتك ؟ أنصحك باتئصال الرحم ". 

ما العمل ؟؟ هل تقدم على الجراحة فورا ؟ أم يجب عليك عدم التسرع فهذه الحالات ليست طارئة والأطباء لا يُجمعون دائماً على اقتراحات الاستئصال؟؟

فقد أظهرت دراسة بدأها في العام 1971 الدكتور اوجين ماكارثي من كلية الطب في جامعة كورنيل بنيويورك؛  ان نسبة 19 % من نحو 200 الف توصية باجراء جراحة لم تحظ بتأييد الاختصاصيين. وفي دراسة اخري اجراها العميد المساعد بكلية الصحة العامة في جامعة تورنتو في أونتاريو بكندا طلب من 73 طبيبا تقديم وصفات علاجية لثلاث حالات تتضمن مشاكل في الرحم فنصح نحو 40% باجراء جراحة بينما لم ير الباقون ضرورة ذلك .


أنت الحكم


يتصور الكثيرون أن لكل مشكلة طبية علاجاً صحيحا واحدا ؛  وأن الطبيب الجيد يعرف ما هو هذا العلاج الأوحد  . لكن الحقيقة ان الطب لم يكن يوماً بهذه السهولة . فالقرارات في الطب ليست  ثابتة ولا محددة تماماً  ؛ فلكل طبيب " معادلته الشخصية " في اتخاذ القرار . كما أن الحاجة إلى الجراحة درجات ؛ فقرار الجراحة لا يقوم فقط على انقاذ حياة المريض ؛ قد يهدف أيضاً إلى جعل حياته اكثر راحة أومتعة فمن الذي يقرر اين ينتهي الضروري ويبدأ غير الضروري ؟ وهنا يعود قرار الخضوع للجراحة بالتأكيد الي المريض؛  صحيح أن الطبيب يقدم النصح ويقلب أوجه الرأي حول الجراحة ولكن في نهاية الامر على المريض وحده أن يقرر ما ان كانت الجراحة المقترحة تستحق المجازفة . تذكر أن كل حالة علاجية هي فريدة من نوعها ؛ لذا يجب اعتبار السن والحالة الصحية والمزاج والمخاوف والحالة المادية وكافة الشؤون العائلية عند اتخاذ القرار بالخضوع للجراحة .


كل جراحة تتضمن مخاطرة  



كل جراحة من ازالة ظفر غارز في اللحم الي الولادة القيصرية - تتضمن مخاطرة . علي سبيل المثال قد ينتج عن استئصال روتيني للرحم قطع عرضي لجدار المثانة ؛ أو قد تسبب ندبة تُحدث انسدادا مؤلما في الأمعاء ؛ وربما شملت المضاعفات التهاب رئوي  او جلطات دموية او نزيفا . ومع ان حوادث الوفاة نادرة أثناء الجراحة ؛ إلا أن هناك مخاطرعدة ترافق عملية  التخدير . فالتخدير الكلي قد يعرض جهاز التنفس والقلب والاوعية الدموية والكليتين والدماغ للخطر ؛ كما قد يؤدي التخدير الموضعي الي تشنجات وردود فعل ارتكاسية خطرة قد توقف عضلة القلب .


كيف تتجنب جراحة ليست بالغة الاهمية ؟


- اتصل بطبيبك الخاص (طبيب العائلة) أولا  فمن الحمق التوجه مباشرة الي جراح غير مطلع علي تاريخك الطبي ؛ فهو سيميل بالطبع  الى الحلول الجراحية .  

- دع طبيب العائلة يُحيلك إلى الطبيب الاختصاصي الملائم. 

- كوّن رأيا ثانياً او ثالثا باستشارتك جراحاً مُجازاً : لا تخجل من القول انك تنوي مراجعة طبيب آخر  ؛ فمن السخف تصور أن اخذ رأي طبيب آخر من شأنه ان يحطم الثقة بين المريض وطبيبه الشخصي >

- من اجل تفادي حوافز الربح التي قد تدفع الجراح الي اقتراح العملية دون حاجة مُلحة إليها. افهمه انك لن تعهد اليه في اجرائها .


لا توافق قبل ان تسأل هذه الأسئلة !! 


ما حدود الفائدة التي ستعود عليّ من هذه الجراحة ؟  

مثلا ؛ إن كنت ستخضع لعملية تحويل لمجري شريان تاجي ؛ فيجب ان تُخبرك الجراح  قبل الجراحة بانها لن تمنع حصول النوبات القلبية وانها لن تضمن لك حياة اطول .

 ماذا يحصل ان لم اخضع للجراحة ؟

قد تحصل على الجواب : " يمكنك علي الارجح ان تعيش عمرك كله دون الحاجة لإجراء هذه الجراحة " . مثلاً ليس من الضرورة اصلاح فتق ما دمت لا تشعر بالالم وبعض الحصوات المرارية وحصوات الكلى لا تسبب مشاكل صحية وقد لا يتأتي منها أي أذي طوال العمر . فما الداعي لإيقاظ كلب نائم؟ . 

ما هي فرص الانتكاس بعد الجراحة ؟

معظم  الجراحات في العمود الفقري تفشل ؛ وإن ارتفعت معدلات نجاحها مع تقدم تقنيات الجراحة وأدوات ومستلزمات جراحات العمود الفقري .  كما أن بعض عمليات ازالة الدوالي مخيبة للأمل من الناحية التجميلية فضلا عن انها تعود للظهور بنسبة عشرة في المائة من حالات الجراحة . 

هل ثمة بديل طبي للجراحة ؟

 تزهو مدرسة العلاج الطبي الحديث بتوفر انماط جديدة لعلاج الحالات التي كانت تعالج بالجراحة التقليدية بطرق غير جراحية ؛ كإزالة الحصوات بالمناظير . ومن الأساليب البديلة للجراحة أيضا ؛  الابتراد (الكشط)  حيث يتم برد النسيج المريض باداة تشبه المبرد؛ واستخدام أشعة الليزر وهما طريقتان تضاهيان في فاعليتهما مبضع الجراح في مواجهة بعض الحالات ؛ مثل: التكييس المبيضي والثآليل الزهرية وتورم بطانة الرحم والتحولات المنذرة بالسرطان في عنق الرحم واعتام عدسة العين " المياه الزرقاء " وبعض الاورام الحميدة . 

هل يساعدني تغيير نمط الحياة والحمية الغذائية في تفادي الجراحة ؟ 

غالبا ما تؤجل جراحات المرارة مثلا ؛  مقابل اعتماد حمية (نظام غذائي) قليلة الدهن وغنية بالالياف ؛ فضلا عن استبعاد عقاقير تؤثر في مستويات الهرمون " حبوب منع الحمل ، الاستروجين" . وكثيراً ما تنجح معالجة تسرب البول بالتمرينات التي تقوي العضلات العاصرة ؛ ويتم الاستغناء عن الجراحة. 

هل نسبة مجازفتي بإجراء الجراحة أكبر من المعدل  الوسط؟ 

هناك عوامل فردية تسهم في ارتفاع معدل المخاطر الجراحية ؛ فالبدانة على سبيل المثال ؛ تزيد من فرص الاصابة بالتلوث لأن الانسجة الدهنية اكثر عرضة للاصابة بالعدوى والالتهابات؛ كما تُخفض الدهون من فاعلية الرئتين وبالتالي تبطئ عملية الإفاقة من التخدير . الافراط في التدخين أيضاً يعيق التنفس العميق والسعال اللذين يساعدان على تنظيف الرئتين والممرات التنفسية بعد التخدير . 

هل من جراحة أخري اكثر بساطة وأخف إيلاماً وتشويهاً ؟  

 ان كنتِ تعاني اوراما رحمية مثلا فليس عليك استئصال الرحم ؛ بل يمكن اعتماد طريقة "استئصال ورم النسيج العضلي " ؛ عوضاً عن استئصال الرحم بالكامل ؛ حتى لا تخسري فرصة الحمل من جديد . 

ما مدي خبرتك يا دكتور ؟  

 الأطباء الذين يواظبون على إجراء جراحة محددة بشكل منتظم ولمدة طويلة ؛  يتمتعون بنسب نجاح أعلى من زملائهم الذين يقومون بتلك الجراحة بشكل استثنائي غير منتظم . فلا تخجل من سؤال طبيبك عن خبرته في إجراء هذا النوع من الجراحة ؛ فللمريض كامل الحق في معرفة مدي اعتياد الجراح على اجراء الجراحة ؛ ونسبة حصول مضاعفات معه ؛ وإن أثار غضبه لسؤالك ؛ فابحث فوراًعن طبيب آخر.


لا تنس صلاة الاستخارة 


بعد أن استشرت أهل الخبرة ؛ إياك ان تنسى استخارة العليم الذي أحاط بكل شئ علما ؛ والذي يعلم الخير بالنسبة لنا ؛ وهو ينتظر سؤالنا ليدلنا على أفضا إجابة  ... تعلم صلاة الاستخارة إن لم تكن تعرفها ؛ صلّ بخشوع .. وتضرع لله بدعاء الاستخارة .. ثم اعزم رأيك وتوكل على الله" ومن يتوكل على الله فهو حسبه قد جعل الله لكل شئ قدرا "


اذا قررت الخضوع للجراحة 



اذا استقر رأيك على الخضوع للجراحة؛ فــ اطلع علي تفاصيل اجرائها ؛ ثم اأسأل طبيبك الأسئلة التالية : 

ما الذي يجري في اثناء الجراحة ؟ 

اي نسيج سيُستأصل ؟ اين سيكون مكان الجرح (موضع الجراحة على الجلد) ؟ هل سيترك ندبة مستديمة ؟ 

كم ستستغرق من الوقت ؟ 

وفقا للسن والحالة الصحية العامة يمكن اجراء بعض الجراحات البسيطة مثل : تمديد عنق الرحم وتنظيفه واجتثاث البواسير ورتق الفتق ؛ خلال يوم واحد ؛ تسمى " جراحات اليوم الواحد " . اسأل طبيبك : هل سأمكث طويلا في المستشفي ام سأغادر في اليوم نفسه ؟

 سأخضع لأي نوع من التخدير ؟ 

العمومي ام الموضعي ؟ حقناً أم عن طريق الاستنشاق ؟  

 هل يمكنني تحسين فرص نجاح الجراحة ؟ 

هل يفيد انقاص الوزن ؟ التوقف عن التدخين ؟ ممارسة التمارين الرياضية ؟ تغيير الحمية (النظام الغذائي) ؟ 

هل سأتألم كثيراً بعد الإفاقة من التخدير ؟

 ان كان الجواب "نعم" فما العمل؟ ما هي المضاعفات الممكنة؟ ما مدي تعرضي للعدوي الميكروبية أو النزيف أو أي عواقب اخري بعد الجراحة؟

 كم تستغرق فترة نقاهتي ؟ 

متي سأتمكن من الركض ثانية ؟ التزلج؟ ممارسة الجنس؟ حمل الأولاد؟ تناول طعامي المعتاد؟ هل سأحتاج إلى رعاية خاصة في المنزل ؟


دائماً : تذكر هذا عن الجراحة!


 هناك منافع . هناك خيارات هناك بدائل .. 

إنه جسدك انها حياتك اليك يعود القرار الاخير !!.



كتبت هذا المقال : د . صهبــــاء بندق

 

#متى_تقول_لا_للجراحة #مخاطر_الجراحة #صهباء_بندق #مقالات_طبية 

تم عمل هذا الموقع بواسطة