لا شك في أنك قد رأيت قنطرةً ما ؛ أو مشيت فوق أحد الجسور المُقوسة المصنوعة من الحجارة. فتلك الجسور التي تأخذ شكلا هندسيا مقوساً كانت ولازالت موجودة في كل مكان ؛ بل وربما تشكّل جزءاً حيوياً من حياتنا اليومية. ولكن هل فكرت يوماً أثناء سيرك على أحد تلك الجسور ؛ في إمكانية وجود أوجه تشابه هندسية بين قدميك وهذا الجسر الذي تطأه ؟؟! هل كنت تعلم عن وجود تلك الجسور أو الأقواس في باطن قدميك ؟؟!
فماهي أقواس القدم ؟ كم عددها ؟ وما فائدتها ؟ وأين موقعها من القدم ؟ وكيف تقوم بمهمة حيوية جداً في عمليات المشي والجري والوقوف ؟ وهل ظهرت مصادفةً؟ أم كطفرة في سلم التطور كما يزعم الدراونيون ؟ أم أنها خُلقت من قِبل خالق قدير وعليم بحاجات الجسم البشري ووظائف الإنسان على هذه الأرض ؟؟!
في هذا المقال سننطلق في سياحة علمية برعاية مرشدين أحدهما علم التشريح ؛ فيما الآخر علم هندسة الجسور . سيكون الإيمان الحيّ والعلم الحقيقي رفاقنا في هذه الرحلة ؛ وليس فقط ركام المعلومات المجردة و الصور الميتة المحنطة في ثلاجات اللادينين المنتفخين بالغطرسة والغرور ؛ ولا غلظة وجمود المتدينين المنغلقين على النصوص الفقهية المنصرفين عن التأمل في خلق الله.
إننا عندما نختبر جمالاً مميزاً في أي شئ ؛ من الصعب ألا نفكر بوجود هدفٍ وراءه. خُلقت القدم لتقوم بوظيفتين أساسيتين هما: (أولاً) العمل كـــ رافعة تدفع الجسم إلى الأمام أثناء المشي والجري. (ثانياً) حمل وزن (ثقل) الجسم كاملاً. و يتناسب التركيب التشريحي للقدم البشرية بشكلٍ مُتقن بديع مع المهمة الوظيفية لها ؛ وذلك من خلال التقسيم البسيط والتصميم المعقد معا لأجزائها.
العمل كـــ رافعة تدفع الجسم إلى الأمام أثناء المشي والجري ؛ وظيفة القدم الأساسية . ولكن لو أن الله تعالى خلق القدم مكوناً من عظمة واحدة قوية ؛ بدلاً من سلسلة من العظام الصغيرة ؛ لكان بمقدورها أيضاً أن تحمل وزن الجسم ؛ وأن تعمل كــ رافعة جيدة للدفع الأمامي (الشكل:1). فلماذا كانت القدم بمثل هذه البنية من العظام الصغيرة المُجزأة المتراصة وليست عظمة كبيرة واحدة .؟؟!
الشكل (1) : القدم كرافعة بسيطة (A ) و القدم كرافعة مُجزأة ( B )
السبب أن القدم لو كانت مكونة من عظمة واحدة ، فلن تستطيع أن تكيف نفسها مع السطوح غير المتساوية والمتعرجة . كما أن الدفع نحو الأمام في هذه الحالة ؛ سيتوقف كلياً وبشكل رئيسي على عمل عضلة الساق ( Gastrocnemius ) والعضلة النعلية ( Soleus ).
ولكن بما أن القدم – الرافعة - مجزأة بمفاصل عديدة، فيمكنها أن تكيف نفسها مع السطوح غير المنتظمة والبروزات غير المتساوية. كما يسمح هذا التركيب المتمفصل للعضلة المُثنيّة الطويلة ( Long flexor muscles ) والعضلات الصغيرة للقدم أن تمارس عملها على عظام مقدمة القدم وعلى أصابع القدم ؛ لتأمين نقطة ارتكاز من أجل رفع القدم حيث يمثلان معاً نقطة إقلاع القدم ( The takeoff point ) التي تساعد بشكل كبير في عملية الاندفاع نحو الأمام ؛ العملية التي تقوم بها عضلة الساق والعضلة النعلية . وهكذا أصبحت حركة القدم ؛ حتى فوق الأسطح غير المنتظمة ؛ ثابتة ومرنة وإنسيابية (الشكل:1)
ولكن المسألة لا تنتهي هنا ؛ فــ هندسياً ؛ لا يمكن لبنية مُقسّمة ومكوّنة من عدة أجزاء أن تحمل وزناً إلا إذا بنيت علي شكل قوس. لهذا تُبنى القناطر على هيئة قوس الغرض منه نقل الأحمال بالإضافة لوزن القنطرة نفسها إلى الأعمدة الحاملة .
وفي ضوء هذه المعلومة الهندسية ؛ بُنيّت الجسور القوسية قديماً وإلى الآن ؛ فالجسر القوسي أو الجسر المقوس (Arch bridge) هو أحد أقدم أنواع الجسور. ويتكون من دعامات تتشكل في طرفيه على هيئة قوس منحن. وتعمل هذه الجسور عن طريق نقل وزن الجسر وأحماله جزئيًا بالاتجاه الأفقي من قِبل الدعامات في كلا الجانبين. ولدى الجسور المقوسة قوة مقاومة طبيعية كبيرة ؛ فهي تقوم بنقل الأحمال سواء الحية أو الميتة - ومن ضمنها وزن الجسر - عبر منحني القوس الي الدعائم في كل طرف . وهي التي تحمي القوس من التمدد والإنفراج. كما تتميز هذه الجسور بأنها لا يتولد فيها سوى قوى محورية بسبب البنية القوسية للجسر التي تحول جميع القوى فيه إلى قوى ضاغطة على المحور الوسطي.
وفقا لأساسيات علم الهندسة العمارية المعاصر ؛ فإن شكل القوس هو النمط الذي نحتاج إليه لتوزيع الثقل بشكل متوازن على السطح والدعامات. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء القنطرة أو الجسر المقوس ؛ وهو منشأة نصف دائرية تحتوي على الدعامات في كلا الطرفين بحيث يتحول تركز ثقل التصميم من سطح الجسر إلى الدعامات. وعلى الرغم من أن الأقواس كانت معروفة بالفعل من قبل الأتروسكان والإغريق القدماء، إلا أن الرومان كانوا أول من أدرك إمكانات "القوس" في بناء الجسور .
قدمت دراسة استقصائية قائمة بالجسور الرومانية ؛ ضمّت القائمة : 330 جسر روماني حجري لحركة المرور، و 34 جسر خشبي و54 قناة رومانية كبيرة لا تزال قائمة حتى اليوم وتُستخدم لنقل المركبات. فيما بعد ؛ أظهرت دراسة استقصائية أكثر اكتمالاً وجود 931 جسر روماني معظمها من الحجر، منتشرة في حوالي 26 دولة مختلفة .
بالعودة إلى التركيب التشريحي للقدم البشرية ؛ فإننا نجد أن أقواس القدم تأخذ فعلاً شكل الجسر المقوس بطريقة مذهلة, فالعظام المتمفصلة في القدم البشرية تتراص على شكل ثلاثة أقواس ، يمتد اثنان منها بطول باطن القدم على الجانبين (الأقواس الطولانية الأنسية و الوحشية ) ، فيما يمتد الثالث بعرض باطن القدم (القوس المستعرضة ) . ويظهر فحص صورة شعاعية جانبية للقدم شكل وترتيب العظام التي تشكل هذه الأقواس بوضوح (الشكل : 2).
[1] Robertson, D.S. (1943): Greek and Roman Architecture, 2nd edn., Cambridge, p.231: "The Romans were the first builders in Europe, perhaps the first in the world, fully to appreciate the advantages of the arch, the vault and the dome." [2] Colin O'Connor (1993): "Roman Bridges", Cambridge University Press, p. 187ff [3] Galliazzo, Vittorio (1994): I ponti romani. Catalogo generale, Vol. 2, Treviso: Edizioni Canova, ISBN 88-85066-66-6, cf. Indice
خلق الله القدم البشرية بتصميم هندسي يجعل عظامها تتراص على هيئة أقواس طولية وعرضية ؛ بحيث لا تلامس بطن القدم سطح الأرض عندما يقع وزن الجسم على القدم أثناء الوقوف . وعند فحص أثر انطباع قدم رطبة علي الأرض لشخص في وضعية الوقوف ؛ يمكن رؤية أن العقب والحافة الوحشية للقدم والوسادات تحت رؤوس الأمشاط ووسادات السُّلاَمَيات القاصية تكون كلها علي تماس مع الأرض (الشكل : 3).
تتألف القوس الطولانية الأنسية من عظم العقب والعقب والزورقي والعظام الإسفينية الثلاث والعظام المشطية الثلاث الأولي. ويمتد على الجانب الأنسي بطول القدم ويلامس هذا القوس الأرض عند العقب وتكوير القدم فقط. وهو المسؤول عن تكوير شكل القدم في الجانب الأنسي . حيث تتقوس الحافة الأنسية للقدم ( الحافة حيث تلتقي القدمين ) من العقب وحتي رأس المشط الأول فوق الأرض بفضل القوس الطولانية الأنسية (الشكل : 4) .
تتألف القوس الطولانية الوحشية من عظمي العقب والنردي والعظمين المشطيين الرابع والخامس (الشكل : 5).
يكون أكبر إنطباق القدم على الأرض من الحافة الوحشية عند العقب وعند رأس المشط الخامس، فيما يقع أقل انطباق للقدم بين هاتين المنطقتين ؛ وذلك بفضل الوضع المنخفض للقوس الطولانية الوحشية الذي يمتد على الجانب الوحشي بطول القدم.
تتكون القوس المستعرضة من قواعد العظام المشطية الخمسة والعظم النردي والعظام الإسفينية. وهذه القوس هي في الحقيقة نصف قوس فقط ، قاعدتها عند الحافة الوحشية للقدم وقمتها عند الحافة الأنسية للقدم . لهذا فإن القدم الواحدة تمثل نصف قبة؛ بينما تتشكل قبة كاملة عندما توضع الحافتان الأنسيتان للقدمين بجانب بعضهما.
ومن هذا الوصف لأقواس القدم الثلاثة يمكن أن نفهم أن وزن الجسم يتوزع أثناء الوقوف على كامل القدم عبر العقب (الكعب) في الخلف وست نقاط تماس مع الأرض في الأمام هي: العظمتان السمسمانيتان ( Sesamoid bones ) تحت رأس المشط الأول ، ورؤوس العظام المشطية الأربعة الباقية.
تعطي هذه الأقواس الثلاثة مجتمعة للقدم خاصية المرونة أثناء السير على الأسطح غير المنتظمة أو القفز . حيث تتميزبالقوة والمتانة الإنشائية التي تتحمل حركة ووزن الإنسان مدى الحياة؛ تماماً كما الجسور المقوسة القناطر التي بناها الرومان القدامى و ما زالت صامدة حتى يومنا هذا.
ويمكن تضمين وظائف أقواس القدم في النقاط التالية :
وهكذا تعطينا أقواس القدم مثالاً بيولوجياً على التأثير الطبيعي للقوس في تحمل الأوزان وتوفير الثبات للبنية الجسدية ؛ تماماً كما تعطي الجسور و القناطر مثالاً تاريخياً في تحمل الأوزان وتوفير الثبات للمنشأة الهندسية . والأقواس في المثالين ؛ التاريخي والبيولوجي ؛ تقاوم جميع القوى الضغط والأوزان في الحركة والسكون . وهذا ما يُفسر استمرارية استخدام هذا النوع من الجسور المُقوسة أو القناطر حتى الآن ؛ وكيف أنها لا تزال تُستعمل ؛ بل وتُقام فوقها الطرق المعبدة المزدحمة ؛ ولم تزل الشاحنات الثقيلة تمر عليها بعد مرور أكثر من ٢٠٠٠ عام من الإنشاء المعماري !
ترتكز آلية بناء أقواس القدم على ذات القواعد الهندسية لبناء القنطرة في تناسق مدهش . حيث يقوم المهندسون بتصميم الجسر الحجري المُقوّس مستخدمين ذات القواعد الهندسية التي تضمن متانة القدم وتثبتها . فالعوامل الهندسية التي تجعل الجسر يقاوم جميع القوى والأوزان والعوامل الطبيعية ؛ هي ذات العوامل التي تجعل القدم البشرية تتحمل وزن الجسم وتمنحها المرونة أثناء السير على الأسطح غير المنتظمة أو القفز ؛ والثبات أثناء الوقوف. وهنا تتجلى صورة مؤثرة لتماهى صنعة المخلوق مع صنعة الخالق ؛ و لشرح القواعد التي يقوم عليها بناء الجسور المقوسة أو أقواس القدم ؛ دعونا نتصور أننا مهندسون نعمل في مشروع تصميم الجسم البشري .
والآن دعونا نحمّل هذا القوس البسيط في أقدامنا مهمة كبيرة جداً ... سنُحمّله مهمة توزيع وزن الجسم كاملاً ؛ فكيف يمكننا المحافظة على شكل كل قوس من أقواس القدم تحت تأثير وزن الجسم بأكمله ؟؟!!
تكمن أكثر الطرق فعالية في دعم القوس في جعل شكل الحجارة في شكل أسافين (أوتاد) ؛ ثم ترتيبها إلى جوار بعضها بحيث تتجه الحافة الدقيقة للإسفين في الأسفل. ينطبق هذا بشكل خاص علي الحجر الأساسي الذي يشغل مركز القوس والذي يسمى حجر العَقْد أو المُرتكز (Keystone). وعلى هذا النحو بُنيّت الجسور الرومانية القديمة ؛ من خلال رصّ الحجارة المتقوسة (لبنة العقد أو voussoirs) من نفس في الحجم والشكل (شكل إسفين) إلى جوار بعضها البعض . وقد ارتبطت القنطرة تاريخياً بمادة الحجر، حتى أنها سُمِّيت أحياناً ب " الحجرية " عوضاً من القنطرة .
وكانت القناطر القديمة تبنى من قطع الحجارة المرصوصة إسفينياً بطول استدارة العقد من دون استخدام الملاط أو المونة الرابطة بين الأحجار، حيث تعتمد على الاحتكاك في نقل القوى والانتقال الميكانيكي للحمولات. يمكننا أن نذكر في هذا الصدد كافة الأقواس الرومانية والباروكية وأقواس عصر النهضة كنماذج لأشكال الأقواس, وكل هذه الأقواس من الناحية الإنشائية متشابهة مع بعضها البعض لكنها من الناحية الفنية متغايرة الشكل. ومن الجسور المهمة التي بُنيت بهذا الشكل ؛ جسر عين ديوار ( ديريك حالياً وتبعد 12كم عن مدينة المالكية السورية) عند الحدود السورية العراقية التركية ، وهو مُشيَّد على نهر دجلة، ويتألف من ثلاث قناطر لم يتبقَ منها سوى واحدة، يبلغ ارتفاعه 15م، وهو مبني من الحجر المنحوت من دون استخدام الملاط أو المونة الرابطة.
بالرجوع إلى التركيب التشريحي لأقواس القدم ؛ نجد أن أوسط القدم (mid foot) يتكون من خمسة عظيمات غير منتظمة الشكل، وهي: النردي(Cuboid bone) ، الزورقي(Navicular bone).، وثلاث عظام إسفينية (bones Cuneiform ) (الشكل :8) .
تشكل هذه العظيمات الخمس أقواس القدم التي تعمل على امتصاص الصدمات. فقد قامت اليد الإلهية بنحت هذه العظيمات ؛ كما ينحت المعماري الأحجار؛ ويجعلها متداخلة فيما بينها يكمّل بعضها البعض ؛ من خلال ترتيبها وصفّها على نحو يشبه أطارات الضبط ؛ بحيث تكون مثبتة الواحدة تلوى الأخرى على حامل القوس الذي يتوسطه حجر العَقْد أو المُرتكز (Keystone) أو احجر الأساس الذي يمثل مركز القوس.
يحدث كل ذلك وفقاً لقواعد الهندسة المعمارية لبناء الجسور تماماً ؛ تصطف تلك العظيمات الإسفينية الشكل الواحدة تلوى الأخرى ؛ كما لو ان يداً قامت برصها وترتيبها على حامل القوس المصمم على شكل نصف دائرة ؛ يد مهندس الخلق العظيم التي قامت بادخال كل واحدة منها بفائق الدقة والمهارة داخل المساحة العظمية لكل قوس. ألا يذكرنا ذلك – على سبيل الخيال والتأمل – بقول الله تعالى : " وَالصَّافَّاتِ صَفًا " . (1:الصافات).
لا تتميز العظام التي شاركت في بناء أقواس القدم بفرادتها من حيث الشكل والترتيب فحسب ؛ بل بــ هندستها أيضاً. فما يجلب الانتباه والاعجاب أكثر ؛ الأسلوب البديع المتبع للربط بين هذه العظام الصغيرة المتنوعة الشكل والترتيب : أربطة عديدة عبارة عن حزمة من النسيج الليفي تقوم بربط العظام ببعضها البعض . وهنا نعثر على وجه آخر من أوجه التشابهة المعماري بين التركيب التشريحي لأقواس القدم و هندسة الجسور المقوسة . حيث يتم تصميم هذه الجسور بإجراء تداخل بين الحجارة ثم ربط حوافها السفلية مع بعضها باستخدام رَزّات أو مشابك معدنية( Metal staples ) تعمل توصيل هذه الحجارة جنباً إلى جنب. وهذه الطريقة تقوي الجسر وتمنع بفعالية ميل الحواف السفلية للحجارة إلى الانفصال ؛ وتكبح إنهيارها عندما يكون الجسر محملاً بثقل.
يقابل هذه الرَزّات أو المشابك المعدنية في أقواس القدم ؛ تلك اللفافات السميكة من الأربطة المرنة التي تكسو أطراف العظام المكونة لهذه الأقواس. فالأربطة هنا يقوم بوظيفة المشبك المعدني الذي يجعل القوس قادرًا على امتصاص الصدمات. وهكذا تعمل الأقواس كممتص للصدمات، وتشكل حمايةً للساق والعمود الفقري خاصةً أثناء السير فوق الأسطح غير المنتظمة وأثناء القفز .
الشكل (10): التماثل بين الرَزّات أو مشابك معدنية في الجسر المقوّس (القنطرة ) والأربطة في أقواس القدم
إذا كان امتداد الجسر كبيراً والدعامات علي إحدى نهايتيه غير مستقرة ؛ فإن وضع عارضة ربط ( Tie beam ) تصل بين نهايتيه سيمنع بشكل فعال تباعد هاتين الدعامتين وبالتالي يمنع انخفاض أو هبوط القوس. يُعرف هذا النوع من الجسور ب الجسور العارضية (Beam bridge ) ؛ ويتألف من عارضة أفقية مدعومة بركائز شاقولية في نهايتيها .
وقد راعت الهندسة الإلهية حاجة القدم البشرية إلى تحمل الأحمال والأوزان والضغوط المتنوعة ؛ فأضافت إلى التصميم الهندسي للقدم عارضة ربط ممثلة في وتر العضلة المثنية الطويلة للإبهام Flexor Hallucis Longus الذي يقوم بعمل عارضة أفقية مدعومة بركائز شاقولية في نهايتيها .
كما يبدو من الاسم الجسور المُعلقة suspension bridge هي جسور تعلق الطريق بكوابل او سلاسل طويلة متصلة بابراج كبيرة، مهمة تلك الابراج هي تحمل الوزن بشكل كبير في صورة حمل شد يتركز على قضبان الجسر ومن ثم تقوم تلك السلاسل بنقل حمل الشد عليها الى الابراج والتي تقوم بنقلها الى سطح الارض. من أشهر أمثلة الجسور المعلقة : جسر البوابة الذهبية بكاليفورنيا و جسر بروكلين بنيويورك.
يعتمد الحفاظ على القوس هنا على عدد من الحوامل التي تعلق القوس وترفعه بواسطة سلك علوي ضخم (Cable ) يمر على امتداد الجسر. لدى الجسر المعلق الذي يبدو على شكل حرف A كبير, قوة مقاومة طبيعية كبيرة فهو يقوم بنقل الأحمال - ومن ضمنها وزن الجسر ذاته - عبر منحني القوس الي الدعائم في كل نهاية . وتلك الدعائم هي التي تحمي القوس من التمدد والإنفراج . وهذا التصميم قادرٌ على التعامل مع العوامل التي تعمل على تعريض الجسر للضغط . وقادر أيضاً على التمدد ومقاومة قوى الإنحناء والفتل التي يتعرض لها الجسر باستمرار( الشكل : 12).
عندما يزداد الضغط على القدم بصورة كبيرة ؛ قد ينهار القوس بعد أن تجاوز حد الاستطالة المسموح به . وافضل طريقه للتعامل مع قوى الضغط هذه ؛ هو نقلها او توزيعها على القوس بأكمله ؛ بحيث يتولد حمل موزع على كامل امتداد القوس وليس مركزه فقط. ولهذا ؛ تم تعليق أقواس القدم من الأعلى ؛ تقوم بهذه المهمة العضلتان : الشظويتان الطويلة والقصيرة ( Peroneous longus and brevis ) (الشكل :13).
وهكذا مع قليل من التأمل ؛ يمكننا استنتاج كم التطابق الهندسي المدهش بين الجسور المعمارية التي اقامتها أيدي المهندسيين المهرة؛ و أقواس القدم التي اقامتها يد الخالق العظيم لدعم وظائف القدم والحفاظ عليها ... يمكننا مشاهدة الهندسة المعمارية ( فنون العمارة ) وهي ترقص مع هندسة الخلق الربانية ؛ يمكننا الاستماع إلى سيمفونية المعمار البشري وهي تتماهى مع سيمفونية الخليقة (الطبيعة) ... ببساطة ؛ يمكننا تذوق الروعة والفخامة في صنع الله الذي أتقن كل شيء.
طبيبة مناعة وروماتيزم، ومهتمة بالطب البديل والعلاج بالإبر الصينية و بالحجامة و الضغط على النقاط الفعالة. أهوى الكتابة والسفر والتصوير ، تهمني صحة البشر الجسدية والنفسية ويعنيني السلام الداخلي والهدوء والاطمئنان، وأرجو أن تكون لكلماتي نصيبًا منهما.