المِلّح .. حيث يختبئ السّمٌ الأبيض !!!


منذ أن أضاف الإنسان الملح إلى طعامه ؛ وهو مولع به ؛ حتى أصبح مدمناً له متجاهلاً صفارة الخطر التي يطلقها مؤشر ارتفاع الملح في جسمه  . ولا يقتصر خطر الإفراط في استهلاك الملح على كمية الملح التي نرشها على الطعام، وانما يشمل محتوى الأطعمة وخاصة تلك المُصنعة والمُعلبة منها  . ولا يدرك كثير من الآباء الذين يصطحبون أبناءهم إلى مطاعم الوجبات السريعة أنّ معظمها تقدّم مأكولات فيها نسبة عالية من الملح تزيد أحيانا أربع مرات على المعدّل الذي يوصى طفل في السّادسة من عمره بتناوله يومياً ؛ فأين يختبئ الملح في طعامنا ؟؟ و كيف يمكن أن نحميّ انفسنا وأولادنا من مخاطر الملح الزائد في الطعام ؟؟!

 


مخاطر الملح تساوي مخاطر التدخين !!


يؤدي تناول الأطعمة الغنية بالملح ( كلوريد الصوديوم)  إلى احتباس المياه في أجسامكم، حيث يزيد الصوديوم من امتصاص السوائل في الكليتين، مما يؤدي إلى زيادة حجم السوائل في الجسم عامة وارتفاع ضغط الدم بشكل مباشر. كما يؤدي ارتفاع ضغط الدم بدروره إلى  زيادة فرصة الاصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية .


و ثمة دلائل مؤكدة بأن استهلاك الملح بكميات كبيرة من الملح يزيد من خطر فقدان الكتلة العظمية  ؛ فكلما أفرطت في تناول أطعمة تزيد بها نسبة الملح  زاد معدل فقدان الكالسيوم من الجسم .  بالإضافة إلى أن ارتفاع تركيز الأملاح في الدم يُسهم في زيادة احتمالية الاصابة بأورام المعدة المختلفة .


ولا تظهر الأعراض المَرضيّة الناجمة عن زيادة الملح  إلا في مراحل المرض المُتقدمة، مما يجعل من العلاج أمراً مُعقداً. لذا ينبغي اتباع نمط حياة صحي يُقلل من فرصة الاصابة به كتجنب الأطعمة المالحة والتركيز على تناول الخضراوات والفاكهة.


قليله نافع .. كثيره ضار !!


يؤكد الخبراء أن التقليل من استهلاك الملح يمكن أن يمنع – بإذن الله -  عشرات الآلاف من حالات، النوبات القلبية والدماغية. وأوضحت الدراسة الأمريكية أن خفض كمية الملح في الطعام بواقع نصف ملعقة صغيرة يومياً ( ما يعادل 3 جرامات) ، سيقلل عدد المصابين بأمراض القلب والذبحات الصدرية بصورة ملحوظة.


ولحسن الحظ ؛ نحن لا نحتاج إلى كمية كبيرة من الملح للحصول على حاجتنا من الصوديوم ؛ فالحصول على كمية ضئيلة لا تزيد عن جرام واحد يومياً . أي ربع ملعقة صغيرة ؛ تكون كافية لسلامة صحتنا  ولجعل الطعام طيباً شهيّاً .


كما يتوفر الملح طبيعياً في الكثير من الخضروات والفواكه الطبيعية . على سبيل المثال يحتوي البروكلي النّئ على 0.25 % تقريباً من الصوديوم ؛ فيما يحتوي الجزر على 0,3% . وقد لا يبدو ذلك كثيراً لكننا عندما نأكل ثلاث حصص فقط من الخضروات يومياً ؛ فإننا نحصل على كمية الصوديوم الكافية للجسم .


أما الحدّ الأقصى للحصّة اليوميّة من الملح فيجب ألا تتعدى 6 غرامات .و لكن معظمنا يتجاوز هذه الجرعة عدة مرات ؛  ولهذا يتعدى مُعدل تناول الأفراد للملح 8.6 غرامات يومياً . وذلك ليس بسبب الإفراط في رشّ الملح مباشرة على الطعام فحسب ؛ ولكن أيضاً بسبب تناول الأطعمة المُصنعة والمُعالجة التي تؤدي إلى تزويد الجسم بكميات من الصوديوم تفيض عن حاجته.


أين يختبئ الملح ؟؟!


لا يقتصر خطر الإفراط في الملح على كمية الملح التي نرشها على الطعام، بل يشمل أيضاً  محتوى الصوديوم  في الأطعمة وخاصة الأطعمة المُصنعة والمُعالجة و الوجبات  الخفيفة أو الجاهزة ( snakes  )  والخضروات المُعلبة ؛ فالمعطيات تشير  إلى أن 77% من الصوديوم الموجود في الطعام يأتينا من خلال عملية "التصنيع" التي يمر بها، بينما لا تتجاوز الكمية التي يرشها متناول الطعام عن 6%، و5% إضافية توضع في الطعام خلال عمليات الطبخ .


لذا فإن التقليل من رش الملح على الطعام خلال الطبخ قد لا يكون كافيا من أجل تفادي المخاطر الصحية التي يسببها الملح .


ولا عجب في أن ما يقدر بنسبة (77% ) من الصوديوم الموجود في غذائنا مصدره الأطعمة المعالَجة كالشطائر المحشوة باللحم ، ومختلف أنواع الفطائر والمخللات، المسليات المالحة، المكسرات ومنتجات اللحوم المصنـّعة كالنقانق الغارقة بالملح. حيث يستعمل مصنعو هذه المنتجات الغذائية الكثير من الملح لأنه بخس الثمن ويضفي بعض النكهة.  ومن جهةٍ أخرى ؛ لا تحتوي الأطعمة المعالجة علي الصوديوم المضاف لإكساب الطعم أوكعامل محسن للطعم فقط ؛ ولكن يتم اضافته أيضاً كمادة حافظة ،  ومادة مكثفة ، وكعنصر ربط، وكعازل للتحكم في الحموضة، وكعامل استحلاب، ومانع للفطريات ، وأيضاً كعنصر أساسي في المواد الصناعية التي تستخدم في التحلية.


و للأسف ؛ تستهلك المجتمعات العربية كميات كبيرة من الطعام المصنـّع، المُحمّل بهذه الكميات الكبيرة من الملح التي تعتبر سامة بالنسبة للجسم البشري.



الخطورة أكبر لدى الأطفال !!

 

شريحة الأطفال هي الفئة المعرضة لمخاطر الملح بشكل أكبر، فالشيبس، المكسرات المسليات المالحة ، الوجبات سريعة، المخبوزات ، والكورن فليكس... كلها أطعمة يُغرم بها الأطفال كثيراً ؛ وهي غنيّة بكميات كبيرة وغير مراقبة من الملح . كما تجذب الأطفال بشدّة مطاعم الوجبات السريعة التي تقدّم الأغذية المصنـّعة والمأكولات التي تحتوي على نسبة عالية من الملح وهو ما يجعل من الأطفال هدفاً سهلاً لمشاكل صحية خطيرة على المدى البعيد . فهذه المواد الغذائية ستعطي نتائجها السلبية لاحقا. حيث من المتوقع أن يعاني هؤلاء الأطفال من زيادة في ضغط الدم وهشاشة العظام في المستقبل. هذا إلى جانب الاستهلاك الكبير للسعرات الحرارية المتواجدة بكثرة في مختلف الأطعمة مع الدهنيات، وهو ما يؤدي إلى سمنة الأطفال وهي الأخطر من سمنة البالغين.


ومن المؤكّد أنّ تقليل كميّة الملح في الأطعمة التي يتناولها الأطفال قد يكون وسيلة ناجعة للحفاظ على رشاقتهم.  فإذا خفض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و 18 سنة مقدار ما يتناولونه من الملح إلى النصف فستنخفض كميّة المرطّبات المحلاّة بالسّكّر التي يشربونها بمقدار مشروبين تقريبا على الأقل أسبوعيّا لكلّ طفل ومن ثم ستنخفض كميّة سعراتهم الحراريّة بمقدار 250 كيلوسعرا تقريبا أسبوعيا


الجرعة الآمنة للأطفال 

 

حتى نتجنب خطر الملح على الاطفال يجب معرفة كميات الملح المناسبة حسب اعمارهم:


من 1 الى 3 سنوات 2 غم يوميا

من 4 الى 6 سنوات 3 غم يوميا

من7 الى10 سنوات 5 غم يوميا

اكثر من 11 سنة 6 غم يوميا

 

ومن النصائح التي تعين الأهل على حماية أطفالهم من جرعات الملح المفرطة: 

  • وضع الملح بعيداً عن طاولة الطعام. 
  • السماح للأطفال بتناول الوجبات السريعة مرة كل أسبوعين فقط. 
  • التقليل قدر المستطاع من تناول الأطفال لأكياس الشيبس .


 

كيف تقلل الملح في طعامك ؟


يبدأ التقليل من كميات الملح التي نستهلكها يوميا بالوعي، فاستهلاك الملح والطعم المالح هو "عادة مكتسبة"، والعادات قابلة للتغيير إذا وعينا نتائجها. وبما أن الشغف بتناول الطعام المملح يعد أمراً مكتسباً ؛ فإن التخلص منه يمكن أن يكتسب هو الآخر . هذه النصائح البسيطة يمكن أن تساعدك :



ابدأ بقاعدة عدم إضافة الملح إلى الطعام على المائدة ؛ ولا تسمح للملاحة بالجلوس معك على مائدة الطعام  . ثم ابدأ بتقليل كميات الملح الذي تستخدمه في الطهي .

جرّب الاعتماد بشكل أساسي على الطعام المطبوخ في البيت دون إضافة الملح إليه والاكتفاء بالملح الموجود في المواد الخام .

إذا كان الطعام الذي تعده لضيوفك قليل الملح بما يهدد سمعّة وليمتك؛ اطلب منهم إضافة الملح بحذر ؛ أو دعهم يجربوا صوص الصويا بما يتفق مع مذاقهم المفضل .

كن معتدلاً في استخدام المنتجات المملحة مثل : الزيتون ؛ المخللات؛ والأسماك المُعلبة والمُدخنة ؛ والعديد من أنواع الجبن المملحة.

استبعد كل أنواع الأطعمة التي تحتوي على نسبة مرتفعة من الملح مثل : البسكويت المملح ؛ ورقائق البطاطس (الشيبسي) ؛ ورقائق الذرة؛ والمكسرات والمسليات المملحة والمقرمشات فهذه التضحية – وإن كانت ليست بسيطة - يمكن أن تُسهم في الوصول إلى درجات معقولة من استهلاك الملح لا تتجاوز الحد الأدنى المطلوب يوميا. والخبر السار ؛ أن الرقائق غير المملحة قد بدأت تظهر الآن في الأسواق!.


وفي أثناء محاولتك لاكتساب عادة الاعتدال والتقليل من تناول الملح ؛ سوف تندهش عندما تكتشف أن الأطعمة التي كنت تتناولها من قبل كانت معبأة بالملح لدرجة خطيرة ؛  وأن تغيير حِسك بنسبة الملح اللازمة لإضفاء المذاق المستحب أسهل كثيراً من تغيير ارتباطك بالأطعمة الدهنية أو السكريات .


عند تناول الطعام خارج المنزل 


من الأفضل تجنب الأطعمة المُصنعة التي تقدم في المطاعم ؛ والتي عادةً ما تكون غير صحية لأسباب أخرى فضلاً عن ارتفاع محتواها من الملح . ولكن عندما تتناول طعامك خارج المنزل أو عندما لا تتمكن من إعداد الطعام في المنزل والتحكم في كمية الصويوم (ملح الطعام)  الموجودة في الوجبات، فإليك بعض النصائح لاختيار أطعمة تحتوي علي أقل قدر من الصوديوم:

تجنب تناول المقانق (السجق)  أو شطائر اللحم المدخن المملح، واطلب بدلاً منها فطيرة بالجبن القشدي ، والفواكه.

اطلب طبق الدجاج المشوي مع البطاطس والخضراوات المطهية علي البخار ،عوضاً عن طبق البطاطس المهروسة والمرق.

لا تفرط في تناول الكاتشاب ، والخردل، وصلصة الشواء، وتناول بدلاً من ذلك الطماطم ، والخس، والبصل إلى جانب وجبة الطعام.

تجنب تناول سلاطات الخضار المشبعة بالصوديوم ، وتناول بدلاً منها سلاطة الخضراوات التي تحتوي علي قدر ضئيل من الصوديوم (ملح الطعام).

إذا اخترت أن تناول طعامك في مطعم آسيوي فتحكم في مقدار ما تتناوله من صلصة حبوب الصويا ، وتجنب تناول التوابل التي تحتوي علي جلوتامات أحادي الصوديوم،بينما يمكنك استخدام الصلصة ، والفلفل لإكساب المذاق.


ولحسن الحظ ؛ يتوفر الآن العديد من المنتجات الآن تحمل عبارة " قليل الصوديوم " كوسيلة للترويج للأشخاص الذين يسعون للحفاظ على صحتهم ؛ كن أحد هؤلاء وابحث عن هذه المنتجات .

 

تحوّل إلى بدائل الملح 


التحذير من الأطعمة المُملّحة ( الغنيّة بالصوديوم) لا يعني أن تتوقف عن تناولها تماماً . عليك فقط أن تقوم باختيار الصحي والمناسب منها. ولحسن الحظ ؛ هناك العديد من البدائل لملح المائدة التقليدي (الصوديوم كلوريد)  ؛ جرِّب البدائل التالية واختر منها المحبب إليك:


  • عصير الليمون الحامض 

 

يمكنك استخدام عصيرالليمون الحامض بديلاً لملح الطعام ، فهذا العصير يضفي نكهة  خاصة للطعام ، إذا ما أضيف إلي الطعام المطبوخ أو المغلي ، كما أنه يعيد إليه ما خسره من فيتامينات بسبب حرارة  الطبخ أو الغليّ. ولكن ينبغي عدم الإفراط في تناول الليمون الحامض ، لأنه من الممكن أن يؤدي إلي حدوث مضاعفات سيئة وخطيرة . لذلك ننصح بالتناول المعتدل لهذا العصير.

 

  • الملح النقي 


المقصود بالملح النقي هو ملح البحر غير المكرر ؛ وهو ملح غني بالمعادن الغير مؤذية صحياً والتي تساعد في  القضاء علي الآثار المؤذية للملح العادي ؛و لكن يجدر بك أيضاً استخدامه بكميات ضئيلة.


ويمكنك العثور على هذا النوع من الملح في متاجر الأطعمة الصحية وغيرها من المتاجر ، فقط احرص على قراءة محتوى العبوة جيداً ؛ لكي تتأكد من أنها لا تحتوي على كميات كبيرة من كلوريد البوتاسيوم . فكونك تستطيع أن تشتري الملح النقي من متاجر الطعام الصحي لا يعني أن العثور على الملح النقي مهمة سهلة هذه الأيام!.


  • الملح الغني بالبوتاسيوم والقليل الصوديوم 

 

لا شك أن الملح المكوّن من كلوراريد البوتاسيوم أفضل كثيراً وأقل ضرراًمن ملح المائدة التقليدي المؤلف بالكامل من كلورايد الصوديوم . وعلى النقيض من تأثير الصوديوم ؛ أشارت بعض الدراسات الي أن البوتاسيوم يمكن أن يخفض ضغط الدم .


ومن الجيد أن الملح المرتكز على كلوراريد البوتاسيوم بدل كلورايد الصوديوم بات متوفراً الآن بكثرة ، ولكن يمكنك أيضاً أن تجرِّب أن تُعد ملحك الخاص المخفف بشراء كلوريد البوتاسيوم الخالص النقي من أحد متاجر الأدوية (الصيدليات) أو متاجر المواد الكيميائية ؛ وطحنه بنسب متساوية مع الملح النقي.


  • الملح المخفف 


يمكنك أن تشتري الملح المخفف الذي يحتوي على نصف نسبة كلوريد الصوديوم ؛ ونصف نسبة كلوريد البوتاسيوم . فإن استخدامك لنفس النسبة من الملح ؛ ولكن من النوع المخفف سوف يقلل مقدار ما تحصل عليه من الصوديوم إلى النصف. ولكن إقرأ محتوى العبوة جيداً لكي تتعرف على ما سوف تحصل عليه! فهذه المنتجات تكون عادةً متخمة بالإضافات بما في ذلك مركبات الألومنيوم - غير المرغوب فيها – كمواد حافظة.


  • الأعشاب اللمجففة والمطحونة 


يمكن استخدام الأعشاب المجففة بمثابة معزز للنكهة والتخلص من الحاجة إلى إضافة الملح التقليدي إلى وصفات الطعام المختلفة .


  • صوص الصويا


تتوافر أنواع صوص الصويا قليل الصوديوم في متاجر الطعام الصحي وبعض الأسواق.

 

هذا كل ما يسعنا عمله من جانبنا لتفادي مخاطر الملح ، على الأقل إلى أن يتم تغيير القانون بحيث يصبح بالإمكان تحديد كميات الملح التي يسمح لمنتجي الأغذية بإضافتها إلى منتجاتهم، وتوضيحها بشكل كتابي على الأغلفة. وقد بدأت بالفعل خطوة إيجابية لتمييز المُلصقات الغذائية ؛ وخاصة تلك المُصنعة والمُعلبة ؛ تبعاً للمحتوى الملحي للمُنتج؛ حيث اعتمد اللون الأحمر للتركيز المرتفع، الأصفر للمتوسط والأخضر للتركيز القليل، ويُذكر أن هذه الخطوة قد أسهمت بالفعل  في مُساعدة الأشخاص على قطع استهلاكهم المُفرط من الأملاح وخاصة الذكور.

د.صهباء محمد بندق 

تم عمل هذا الموقع بواسطة