الحجامة وألمّ أسفل الظهر... ما الذي تقوله البحوث العلمية ؟؟!!

د. صهباء محمد بندق 

لا يُوصي الطب الحديث بالحجامة، التي ينظر إليها البعض كتقليد بربري، خاصة وأن عملية فصد جسم المريض في أماكن محددة لإخراج (الدم الفاسد) كما يُعتقد، قد أوقف العمل بها منذ منتصف القرن العشرين خاصةً بعد اختراع المضادات الحيوية.

ولكن ألا يجدر بنا  قبل أن نصدق ذلك ؛ أن نطلع لما أسفرت عنه البحوث العلمية الحديثة حول جدوى علاج ألم أسفل الظهر بالحجامة  .. وكيف يمكن أن تكون الحجامة أسلوب عقيم وقد انتهجت كأسلوب علاجي لفترة تزيد عن 0500 سنة ؟؟!!



ألم أسفل الظهر ... باقة من الخيارات العلاجية ...


على الرغم من أنّ ألم أسفل الظهر  أحد  الأعراض الأكثر شيوعاً التي تدفع بالبالغين إلى عيادات الرعاية الطبيةَ طلباً للشفاء، إلا أن هناك عدد قليل ومحدود من التدخّلاتَ العلاجّيةَ التي ثبتت فعاليتها السريريةِ . نموذجياً ؛ يُعالجُ الطبُّ الحديث ألمُ أسفل الظهر من خلال مجموعة من أنماط العلاجِ الطبيعيِ (الفيزيائي)  وتعديلِ النشاطِ البدني والراحةِ ؛ وتناول الأدوية المُسكنّة للألمِ والمضادة للإلتهابات .  وفي الحالاتِ المستعصية يتم اللجوء للتدخل الجراحي.

و بشكلٍ عام ؛ غالباً ما تنجح هذه الخيارات العلاجية بنسبٍ مختلفة. ففي العديد مِنْ الحالاتِ، ؛ يتم التخلص من كمية مقبولة مِنْ الألمِ من خلال تقنياتِ المعالجةِ الطبيةِ المعتادة . وفي حالاتِ أخرى يَبْقى بَعْض الألمِ ، بينما في بعض الحالاتِ الأخرى، تكون المعالجة المعتادة غير مؤثّرة على الاطلاق.

لذا، فإن المرضى الذين يَعانونَ مِنْ ألم أسفل الظهر هم دائماً مُستاؤون من خياراتِ المعالجةِ المعتادة في منظومة الطب الحديث ؛ ولذلك يَتّجهونَ إلى العلاجات التكميلية ووسائل الطب البديل ؛ من بينها المعالجةُ الوخز بالأبرَ والمعالجة الحرارية بأنماط مختلفة من التسخين ،و التدليكِ الآسيويِ وطب الأعشاب، و الحجامة بانواعها المختلفة .

وقد أظهرت نَتائِجِ الدراسة التي أجراها شيرمان وزملائه عام (2006) في مركزِ لدِراساتِ الصحةِ، بسياتل، في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، أن ألم الظهر كَانَ السببَ الأكثر شيوعاً للزيارة عيادات ممارسي الطب البديل والتكميلي ؛ حيث يُمثّلُ المصابون بآللآم الظهر نحو 10 % مِنْ زياراتِ المختصون بوخز الأبرِ،  و20 % مِنْ زيارات العيادات المتخصصة في تقويم الظهر بالمُعالَجَةُ اليَدَوِيَّةُ chiropractors، و12 % مِنْ زياراتِ عيادات المعالجين بالتَدليك.

 



وماذا عن الحجامة ؟؟!!

تتمثل طريقة العلاج بالحجامة (كؤوس الهواء) في وضع كأس على جلد المريض وسحب الهواء منه بطرق مختلفة لإحداث ضغط سلبي وخلخلة الهواء داخل الكأس, ومع تفاقم الضغط السلبي يخرج الدم من الشعيرات الدموية الدقيقة تحت الجلد محدثا ما يشبه الكدمة , وبذلك يخف أو يزول احتقان المناطق الواقعة تحت موضع الكأس , بالإضافة إلى العديد من التأثرات الإنعكاسية الأخرى تعمل على تسكين الألم وتخفيف الاحتقان .

 وهناك نوعان رئيسيان للحجامة ؛ إذا استعمل الكأس بدون تشريط الجلد بالمشرط , فهذا ما يعرف بالحجامة (الجافة) . أما إذا استعمل الكأس بعد تشريط الجلد فهذا ما يعرف  بالحجامة ( الرطبة).


الحجامة الجافة ( بدون تشريط الجلد )


الحجامة الرطبة ( مع تشريط الجلد )



5000 عام من التداوي بالحجامة 

ويُعدّ العلاج بالحجامة أحد أقدم صور العلاج التي مارستها البشرية  بهدف العلاج والتخلص من الألم منذ أكثر مِنْ 5000 سنة  ؛ فقد استخدم المصريون القدماء هذه الطريقة لسحب الدم والقيح أوالصديد وأيضاً لعلاج العديد من الأمراض اعتقاداً منهم بأن الحجامة تزيل المواد الضارة والمُمّرضة من الجسم . وكان هذا هو اعتقاد أبقراط (٤٦٠ – ۳٧٧ ق.م) أبو الطب وأعظم أطباء عصره، أول مدون لكتب الطب، حيث كتب يقول أن إخراج الدم يحتل المكانة الأولى فيما يتعلق بعلاج قائمة طويلة من الأمراض.

وفوق كل ذلك ؛ فإن التداوي بالحجامة من المندوبات في الشريعة الإسلامية ، فقد ورد في فضل التداوي بالحجامة أحاديث كثيرة منها ما رواه جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوي ) رواه البخاري مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم :( إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقُسْط البحري ) رواه البخاري ومسلم . وكان الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويتبركون بالتداوي بالحجامة ؛ روى البخاري بسنده أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عاد المقنع - أحد التابعين - ثم قال : لا أبرح حتى يحتجم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن فيه شفاء .


الحجامة وألم أسفل الظهر ... صداقة قديمة !

ورد في الموروث الشعبي والتراث العلاجي للعديد من الثقافات الطبية المختلفة  أَنْ للحجامة تأثير رائع في التخفيف من آلألمِ الظهر . وقد استخدمت عبر العصور أشكالاً مختلفة من الكؤوس المصنوعة من الفخار والنحاس والبامبو وقرون الثيران المُفرغة ؛ ولا يزال العلاج الذي أستعمل منذ أكثر مِنْ 5000 سنة  يجد رواجاً شعبياً  إلى يومنا هذا . وعلى الرغم مِنْ التشَكِّك الأولي الذي قوبل به العلاج بالحجامة من قِبل الجهات الطبيةِ الرسمية ،إلا أنه اليوم يُقْبَلُ – وإن كان قبولاً حذراً - كبديل فعّال عن المعالجةِ التقليديةِ لبعض الأمراض في الطب الحديث ؛ أو كمكمل لعلاج العديد مِنْ الآلام وعلى رأسها ألم أسفل الظهر.

يقول الطبيب ( Kuwaki ) المعالج بالأعشاب والطب الصيني  : " أنّ أكثر مِنْ 75 % من مرضى ألمِ أسفل الظهر ، يشعرون إمّا بزوال الألم كليَّاً أَو أنهم يشَعرون بإرتياح جزئيّ عقب العلاج بالحجامة ؛ كما أنّ الفترة اللازمة لزوال الألمِ عقب الجلسة الأولى تكون دائماً متغيّرة وليست ثابتة بالنسبة لكل المرضى".

وكثيراً ما يضاف العلاج بالحجامة بشكل إلحاقي إلى معالجات أخرى من معالجات الطب البديل ؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية،  يدمج المختصون في الطبّ الصيني التقليديِ الحجامة إلى المعالجة بوخز الأبر في 21 % من مجمل حالات ألمِ أسفل الظهر . وهكذا ارتدت الحجامة ثوب العصر الحديث ؛ وأصبح لها مكان في منظومة العلاج الطبي الحديث ؛ بعد أن باتت تُعدُّ من أنجح وأشهر أنواع معالجات الطب التكميلي والبديل المعروفةِ والمقبولة شعبياً .


ولكن ما الذي تقوله الدراسات الطبية الحديثة ؟؟

لطالما أثار العلاج بالحجامة الكثير من التساؤلات والانتقادات داخل الأوساط الطبية ؛ إلى أن انطلقت عجلة البحث العلمي في هذا المجال مؤخراً ..

فخلال العقدين الماضيين ، نجحت الحجامة في اقتحام ساحات البحث العلمي ؛ بعد أن تم إجراء العديد مِنْ الدراسات والتقاريرِ التي أكدت فعالية العلاجِ بالحجامة لألمِ أسفل الظهر ؛ واقترحت العديد من آليات التأثير الفسيولوجية  المناسبة التي قد تفسر الأثر العلاجيّ للحجامة على ألمِ أسفل الظهر.

 في عام  (1993)، قام الطبيب الصيني ( Yuxi ) باختبار تأثير الحجامة على ألم أسفل الظهر الناجم عنّ الإلتواءِ القطنيِ الحادِّ ( acute lumbar sprain ) ؛ وخلُص إلى أن ألم أسفل الظهر بالفعل يُمْكِنُ أن يُعالجَ بالحجامة مُسجلاً نتائج جيدة.

لاحقاً، في عام (1996) إستعملَ الباحث ( Aiwen ) الوخز بالإبر الدافئِة مع الحجامة لعلاج ألمِ أسفل الظهر المُزمنِ بما في ذلك الألم الناجم عن الالتهاب المفصلي العظمي ( osteoarthritic hyperostosis) . وفي دراسة أخرى تم بحث أثر الحجامة في معالجةِ متلازمةِ المستعرضةِ القطنيةِ الثالثةِ ( third lumbar transverse Syndrome ) التي تسبب أيضاً ألم بمنطقة أسفل الظهر ؛ وسجل الباحثون نتائج جيدة في الدراستين (Sherman et al, 2001) .

بعد ذلك ؛ صدرت مِنْ الصين أربعة تجارب سريرية عشوائية (  randomized controlled trial (RCTs)  ) بحث جميعها تأثير الحجامة على ألم أسفل الظهر ( Hong et al , 2006 ) ؛ (Zhou، 2007)؛ (  Liu et al , 2008 ) ؛ (Li & Fan et al , 2008 (. كما أُجريت تجربة سريرية  أخرى في كوريا ( Kim et al , 2008) لذات الهدف .  وقد أظهر مُجمل نتائج هذه الدراسات أن الاستجابة للعلاج بالحجامة كانت تختلف زمنياً من مريضٍ لآخر . حيث بدأ الألم في التحسن بعد فترات زمنية متغيّرَة ، أغلب المرضى شعروا بالإرتياح بعد الجلسة الأولى من العلاجِ ؛ وبعضهم بدأ في التحسن  بعد عدد الجلسات  المتكرّرِة ، لاحظ الباحثون أيضاً أن المدّة التي استمر المريض يشعر فيها بالتحسن عقب الجلسة الأولى كَانَت متغيّرَة  تتراوح مِنْ أسابيعِ إلى شهورِ (ثلاثة شهورِ).


في الجامعات ومراكز البحوث العربية .. 

في عام 2006 ؛ قامت الباحثة المصرية (أمل دسوقي عبد العال) من كلية الطب جامعة المنيا بتصميم دراسة إكلينيكية توطئةً للحصول على درجة الماجستير في علم التخدير وعلاج الأم ؛ تحت عنوان " مقارنة التقنيات التداخلية مقابل البديلة في علاج آلآم أسفل الظهر " . كان الهدف الرئيس لهذه الدراسة هو تحديد تأثير التقنيات التداخلية ويمثلها العلاج بالحقنِ الموضعي للمسكنات و العقاقير الُمخدّرة خارج طبقة الأمّ الجافية ؛ مقابل تقنيات الطب البديل ممثلةً في الحجامة وذلك من خلال مقارنة وتقييم قدرة المعالجتين التداخلية والبديلة على السيطرة على الألمِ في حالات آلآم أسفل الظهر التي يفشل معها العلاج الطبي الدوائي .  شملتْ الدراسةُ 80 مريض بألمِ أسفل الظهر من النوع البسيطِ أَو الميكانيكي ؛ لم يسبق لهم الحصول على تقنيات تداخلية أو بديلة . وتم تقسيم المرضى بشكل عشوائي إلى مجموعتين مساويتينِ، المجموعة (1) : شملت 40 مريضاً خضعوا للعلاج بالحقن الموضعي بعبوتين من عقار اليبوميدزول 40 مجم في 4 مل من البيبوفكين بتركيز 5% .
والمجموعة (2) : شملت 40 مريضاً خضعوا للعلاج بالحجامة حيث تم تطبيق كؤوس الحجامة على نقاط محددة لمدة مرة او مرتين في الشهر(1-2 جلسة / شهر)..

شملتْ الدراسة مقارنة بين مفعول المعالجتين في تخفيف ألمِ أسفل الظهر من زوايا مختلفةِ مثل:  بداية الشعور بتحسن الألمِ، ومدّة التحسن بعد الجلسة الأولى للعلاجِ ومعدلات نجاح العلاج والآثار الجانبية. وقد تم تقُيّمَ درجة الألم باستخدام مِقياس التَقدير الشفويِ (Verbal Rating Score VRS). وتم تجميع هذه البيانات قبل و أثناء وبعد المعالجةِ.

قبل بدء المعالجةِ، تمت مقارنة درجة الألمِ بين المجموعتين وتبين عدم وجود إختلافَ ذي دلاله إحصائية بين المجموعتين. وبعد المعالجةِ، لم تظهر إختلافاتَ ذات دلاله إحصائية بين المجموعتين باستثناء الجلسات الرابعة والسابعة والثامنة ؛ حيث تم تسجيل انخفاض ذي دلاله إحصائية في معدلات تحسن الألمِ وكانت جميعها في صالح  المجموعةِ (2) التي خضعتْ للعلاجَ بالحجامة .

بالنسبة إلى عددِ مرات العلاجِ، لم يكن هناك إختلافَ ذي دلاله إحصائية بين المجموعتين، بينما شهدت مدّة زوال الألمِ بعد الجلسة الأولى دلاله إحصائية بين المجموعتين وكَانتْ أطولَ بالنسبة للمجموعةِ (1) أي لدى المرضى الذين خضعوا للعلاج بطريقة الحقن  الموضعي بالمسكنات . أما بالنسبة للآثار الجانبية للمعالجة ؛ فقد سُجّلتْ في المجموعةِ (1) فقط.

واستخلص فريق البحث من هذه النَتائِج أنّ للعلاج بالحجامة تأثيرُ مماثلُ للعلاج بالحقنِ الموضعي للمسكنات و العقاقير الُمخدّرة خارج طبقة الأمّ الجافية في تسكين ألم أسفل الظهر؛ فالنتائج كانت متقاربة في المعالجة بالطريقتين وكل منهما حقق نتائج رائعة ؛ لكن مع وجود نقطة اختلاف هامة ؛ فقد تفوق العلاج بالحجامة على العلاج بالحقنّ الموضعي بعدم وجود مضاعفات وغياب الآثار الجانبية . علاوة على ذلك، فإن العلاج بالحجامة كان أكثر فعّالية وأكثر مأمونية وسلامةً وأقلّ من حيث الكُلّفةً الاقتصادية. وفي النهاية أوصى فريق البحث بإستعمالَ الحجامة للتخفيف من ألمِ أسفل الظهر عندما تكون هناك محاذير أو موانع  لاستعمال العلاجِ بالحقن الموضعي . وهذه النتائج تشجع الاتجاه نحو الطرق البديلة حين يفشل العلاج الطبي الدوائي أو لتقليل استخدام المواد الكيميائية .


2009 .. وانطلق قطار الدراسات ...

بدءً من العام 2009 ؛ تسارع أكثر معدل إجراء الدراسات السريرية التي تهدف لتَقييم فعالية الحجامة في علاج ألم أسفلِ الظهر . ومعظم نتائجِ هذه الدِراساتِ متاحة في موقع (  PubMed ) الشهير والخاص بنشر الدراسات الطبية المُحكّمة عبر العالم. 

أولى هذه الدِراساتِ صدرتْ مِنْ إيران في عام 2009  ؛ عندما أجرى الدكتور فرهاد وفريق بحثه دراسة تطبيقية أخرى لتَقْييم وتحديد كفاءةِ الحجامة في علاج ألمِ أسفل الظهر المزمن الغير محدّدِ السبب . أجريّتْ هذه دراسة في جامعةِ كرمنشاه الإيرانية للعِلْوم الطبية ؛ ونَشرتْ نتائجها في مجلّةِ " الطبّ البديلِ في العلاجِ " . إستعملتْ الدراسة نموذج التجربة السريرية العشوائية المنضبطة لمجموعتين ( A tow-group randomized controlled trial design ) لتَحرّي فعالية العلاجَ بالحجامة على المرضى الذين يعانون ألمِ أسفل الظهر المزمن الغير محدّدِ السبب.

كان مجموع عدد المرضى الخاضعين للدراسة 98 مريض ؛ تتراوح أعمارهم بين ( 17-68 سَنَوات ) ؛ تم اختيار 48 منهم بشكل عشوائي لينضموا إلى المجموعةِ التجريبيةِ و50 إلى المجموعة القياسيةِ. خضع المرضى في المجموعة القياسيةِ لتدابير العنايةً الطبية الاعتياديةً ، والتي شَملتْ مزيجاً من الوصفات الدوائية والتمارين الفيزيائية الموصى بها لتخفيف ألم أسفل الظهر .

بينما خضع المرضى في المجموعةِ التجريبيةِ لسلسلة مِنْ ثلاث جلسات حجامة مُنَتظَّمة ؛ تم توزيعها على فترات يفصل بينها 3 أيامِ  (0, 3، و6 أيامِ). واستُعملت ثلاث مقاييس مختلفة لتقييم درجة الألم قبل البدء بالعلاج مباشرةً ؛ وبعد 3 شهورِ من التدخّلِ العلاجي للمجموعتين ؛ هذه المقاييس هي : مؤشر McGill لقياس الألمِ الحالي (  McGill Present Pain Index) ، و مؤشر Oswestry لقياس الألم الناجم عن العجزِ , Oswestry Pain Disability Index (ODQ) ؛  ومِقياس تقدير كميّة الدواءَ (Medication Quantification Scale ) .


أظهرت مجموعة العلاج بالحجامة تحسناً ملحوظاً خلال المتابعة التي استمرت 3 شهور متتالية . حيث سجّل فريق البحث إنخفاضاً  ملحوظاً في مقاييس الألم  : الألم الألمِ الحالي ؛ الألم الناجم عن العجزِ الوظيفي، وأيضا في مِقياس تقدير كميّة الدواءَ ؛ لدى المجموعة التي خضعت للعلاج بالحجامة  مقارنةً بالمجموعة القياسيةِ التي تلقت العناية الطبية الاعتيادية .

وبهذا تكون محصلة النَتائِجَ أنّ المرضى في كلتا المجموعتين التجريبية و القياسية قد شعروا بتحسن الألم ، لكن المرضى في المجموعةِ التجريبيةِ، التي خضعتْ للمعالجةَ بالحجامة ، سجلوا مقاييس لشدة الألم أكثر إنخفاضاً مِنْ المرضى في المجموعة القياسيةِ الذين تلقوا العنايةَ الطبية الاعتياديةَ فقط . حيث لم تُظهر المجموعة القياسيةُ تغيراً جوهرياً في درجة شدة الألم والألم الناجم عن العجز الوظيفي ، وأظهرت فقط تغيير بسيط في كمية إستعمالِ الدواءِ.

إستنتجَ الباحثون أنّ المعالجة التقليدية بالحجامة بعد متابعةِ استمرت لثلاث شهورٍ متتالية كَانتْ أكثرَ فعّالية بشكلٍ ملحوظ في معالجة ألمِ أسفل الظهر مقارنةً بما تقدمه العنايةِ الطبية الاعتياديةِ . كما أنها تميزت بتحقق المنفعة العلاجية بعد وقتٍ قصير مقارنةً بالعنايةِ الطبية الاعتياديةِ . فضلاً عن ذلك ؛ فإن جلسات المعالجة بالحجامة كَانتْ آمنَة ومقبولة بالنسبة للمرضى الذين يعانون ألمِ أسفل الظهر الغير محدّدِ السبب. كما لم يُسجل أي مضاعفات أو تأثيراتَ مضادّةَ بعد المعالجةِ .

 

ودراسة من كوريا أيضاً !!


بعد عامين ؛ بحث فريق الدكتور كيم من كوريا  (Kim et al 20011) التأثيرِ الاكلينيكي لعلاج ألم أسفل الظهر بالحجامة الرطبة ودرجة مأمونية وسلامة هذا النوع من المعالجة البديلة . وأَكّدتْ نَتائِج الباحثين في مركزِ البحوث السريريِة التابع لمعهدِ كوريا للطبِّ الشرقيِ نتائج  الدراسة الإيرانية التي أجراها الدكتور فارهاد وزملائه.

في هذه الدراسةِ الكوريّةِ ؛ قام فريق البحث بتجميع 32 مشاركُ في الدراسة ؛ جميعهم من المرضى الذين يعانون منذ أكثر من ثلاثة أشهر من ألمِ أسفل الظهر الغير محدّدِ السبب . وتم تقسيمهم بشكل عشوائي إلى مجموعتين : مجموعة علاجية ستخضع للعلاج بالحجامة وشملت 21 مريضاً ؛ و مجموعةِ قائمةَ الإنتظار ولن تخضع للعلاج بالحجامة وشملت 11 مريضاً.

وفقاً لقواعد ممارسةِ الطبِّ الكوريِ التقليديِ، خضعت مجموعة الحجامة لتطبيق كؤوس الحجامة على ثلاث مواضع من مواضع الإبر الصينية (  BL23-  BL24 -  BL25) وتكرر ذلك 6 مراتِ خلال إسبوعين.


وقد سُمِحَ للمجموعتين باستعمال وسائل العناية الطبية الاعتيادية، يشمل ذلك تَزويد جميع المرضى الخاضعين للدراسة بالكتيبات الإرشادية للتمارينِ والنصائح العامة المناسبة لألم أسفل الظهر ، واستعمال عقار الأسيتامينوفين Acetaminophen أو الباراسيتامول Paracetamol وهو عبارة عن مسكن غير أفيوني لا يمتلك تأثيرات مُضادة للالتهاب .

وشارك باحثون مستقلون في تقييمِ النتيجةَ. حيث أُستعمل مِقياسِ التَقدير العدديِ للألمِ من 0 إلى 100 (NRS: numerical rating scale) ، واستبيان  McGill لقياس كثافةِ الألمِ ؛  وإستفتاء  Oswestry لقياس الألم الناجم عن العجزِ Oswestry Disability Questionnaire (ODQ) . كما تم تقدير استعمال عقار ال aminophen ؛ وتقييم مسألة المأمونية والمضاعفات الجانبية أيضاً .


أظهرتْ النَتائِجَ الإحصائية أنّ مِقياسِ التَقدير العدديِ للألمِ قد انخفض في مجموعةِ الحجامة أكثر منه في مجموعةِ قائمةَ الإنتظار، لكن لم يكن الإختلاف بين المجموعتين ذي دلالة إحصائية .  أما إستفتاء  Oswestry لقياس الألم الناجم عن العجزِ ؛ فلم يُظهر إختلافاتَ هامّةَ بين المجموعتين. ومع ذلك ، فقد أظهرتْ مؤشرات الألم الحالي إختلافات ذات دلالة إحصائية بين المجموعتين.  ونظراً للحجمِ الصغيرِ لعيّنةِ للدراسةِ، لا يَبْدو مهماً أن درجة التحسينِ الوظيفيِ (وفقاً لمقياس ODQ  ) لم يكن كبيراً بما فيه الكفاية ليُظهر إختلاف ملحوظ بين المجموعتين .

وقد لاحظ فريق البحث أنه خلال  4 أسابيعِ من المعالجة كان معدل استعمال مجموعة الحجامة لعقار الأسيتامينوفين Acetaminophen المسكن أقل منه في مجموعة قائمة الانتظار التي لم تخضع للمعالجة بالحجامة . ولم تُسجل أي مضاعفات أو أعراض جانبية بسبب العلاج بالحجامة .

إستنتج  فريق البحث أنّه على الرغم من عدم تسجيل اختلاف ملحوظ في مِقياسِ التَقدير العدديِ للألمِ ؛ إلا أن المعالجة بالحجامة تَبْدو فعّالَة في تَخفيض درجة الألمِ الحاليِ (باستخدام  مقياس PPI) ؛ بالإضافة إلى فعاليتها في تقليل إستعمالِ المسكّناتِ (وفقاً لإجمالي العدد الكليّ لجرعات ال acetaminophen) الذي تم استعماله في هذه الدراسةِ.

وخلُصَ الباحثونُ إلى أَنَّ هذه الدراسة الأوليةِ قَدْ تُزوّدُ المهتمين ببحوث الحجامة ببياناتَ تمهيديةَ حول فعالية  ومأمونية تطبيق الحجامة في علاج ألم أسفل الظهر . وفي النهاية أوصى الباحثون بضرورة إجراء المزيد من التجارب والدراسات العشوائية المُحكّمّة  على نطاق شامل لتقديم الدليلِ الحاسم لفعالية هذا النوع من التدخّلِ العلاجي.

 

ودراسة ثالثة من تايوان ...


دراسة أخرى أجراها في تايوان الدكتور لين ورفاقه عام ( 2012) أظهرت أن الحجامة الجافة  يُمكنُ أَنْ تَكُونَ خياراً مناسباً  لمعالجةِ المرضى الذين يعانون ألم أسفل الظهر. كان الغرض من هذه الدراسةِ تُقيّمَ تأثيرَ العلاج المزدوج بالوخز بأبرِ الليزرِ والحجامة الجافة على ألمِ أسفل الظهر. حيث تم تقسيم المرضى الخاضعين للدراسة بشكل عشوائي إلى مجموعتين: مجموعة العلاج المموّه :  التي تلقى أفرادها علاجاً زائفاً ممثلاً في الليزر الخادع والحجامة الجافة. والمجموعة النشطة : التي تلقى أفرادها علاجاً حقيقياً ممثلاً في الوخز بأبرِ الليزرِ والحجامة الجافة؛ حيث استُخدمت أجهزة حديثة صُممت للجمع بين العلاج بالحجامة الجافة والعلاج بالإبر الصينية ؛ توضع فيه الكؤوس على نفس نقاط الإبر الصينية ، و أُستخدم الباحثون المقياس التمثيلي البصري (VAS) لقياس درجة الألمِ وتَقييم تأثيرِ المعالجةِ على ألمِ أسفل الظهر .

وقد أظهرت النَتائِجُ إختلافاً ملحوظاً بين درجة الألم في اليوم الأول والخامس من بدء المعالجةِ في المجموعتين. وأكدت أنّ دمج المعالجة بالوخز بأبرِ الليزرِ مع الحجامة الجافة اللطيفة ( Soft Dry Cupping  )  على موضع الابر الصينية المعروف باسم ( Weizong acupoint ) بالإضافة إلى مواضع الألم التي يحددها المريض  (Ashi acupoint) يُمْكِنُ أَنْ يُخفّف من أعراض ألم أسفل الظهر .

وفي النهاية ؛ خلُص الباحثون إلى أنّ المعالجة بالوخز بأبرِ الليزرِ مع الحجامة الجافة كَانَ فعّالاً ويُمكنُ أَنْ يَكُونَ أحد الخيارات العلاجية  المناسبِة للمرضى الذين يعانون  ألم أسفل الظهر.



تم عمل هذا الموقع بواسطة