اســـــم يتردد وعـــلمٌ يتجدد


د. صهـــباء بندق 


بعد سنوات قليلة من الممارسة الحديثة للحجامة مع مطلع الألفية الثالثة ؛  أثببت التجربة العملية والممارسة الإكلينيكية تفوق الحجامة في علاج بعض المشكلات الصحية التي  لا تنجح معها أدوات الطب الحديث؛ ولم يعد بوسع أحد إنكار الأثر العلاجي الرائع الذي تقدمه الحجامة في علاج الصداع والشقيقة . ولا يمكن الاختلاف حول دور الحجامة في التخلص من التشنجاتِ العضليةِ و قدرتها على تلطيف نوبات الربو الشُعبي وإرتفاع ضغط الدم.

 

ليس هذا فحسب ؛ بل إن الإستخدام العصري للحجامة والتفكير في تلك الوسيلة العلاجية بعقلية جديدة ؛ أسهم في  ظهور إستخدامات جديدة لفكرة الحجامة . حيث تستخدم كؤوس الهواء اليوم  في مراكز التجميل الغربية كأحد طرق تنشيط الدورة الدموية في الجسم وأيضاً كوسيلة للتخلص من  الدهون المتجمعة تحت الجلد (السليوليت) و التجاعيد و إنعاش الدورة الدموية في الجلد لعلاج مشاكل البشرة التجميلية  المختلفة . وكثيراً ما تُستخدم الحجامة كبديل فعّال عن الإبرِ الصينية في تَحفيز نقاط الإبر الصينية (Acupoints) أثناء جلسات المعالجةِ بالوخز بالإبري. ونظرا للعدد الهائل من المرضى الذين تمت معالجتهم بكفاءة ومامونية بالحجامة ؛ إما بشكل منفرد أو بالتزامن مع العلاج الدوائي ؛ نجحت الحجامة أخيراً في لفت انتباه  بعض  كليات الطب الحديثة . فأقرت بعض الجامعات الأوربية إدخال العلاج بالحجامة ضمن مناهجها الطبية على الرغم من البدايات غير العلمية لعملية الحجامة وارتباطها بالمجهول.   وبدأ نحو 60% مِنْ كليّات الطب في الولايات المتّحدةِ الأمريكية بتَدريس الحجامة كجزء من المقرارت التعليمية في دورات الطبّ البديلِ , وهي دورات تدريبية توفرها بعض الكليات الطبية للخريجين لدعم معرفتهم الطبية بالمزيد من المماراسات المساندة والمتتممة للمعلومات الطبية المتعارف عليها .


 في معظم البلداتِ والمدن البريطانية ُيعلن عن دورات وفصول لتدريس فروع الطب البديل المختلفة ومن بينها الحجامة[1].   . كما تُمارس اليوم عملية العلاج بالإستدماء   (Blood-letting)في كليّة الطب بجامعة هارفارد(Harvard Medical School) ومركز جون هوبكنز الطبي(  Johns Hopkins Medical Center )، وهما  إثنان مِنْ أرقى المراكز الطبية رفعةً وأكثرها تقديرا على مستوى العالمِ[2]. من جهةٍ أخرى ؛ وجدت بعض الدول  في هذا النوع من العلاج منخفض التكلفة فرصة لتخفيض نفقاتها العلاجية وميزانيات التامين الصحي  . واعترف الكثير من ممارسي الطب الحديث بالحجامة كأحد أفضل الطرق الطبيعية للتعامل مع بعض الأمراض دون آثار جانبية وبأقل التكاليف الممكنة.


وهكذا ؛ على الرغم من التطور المستمر في وسائل التشخيص والعلاج الطبية و ما يستحدث كل يوم في مجال العلاج ؛ حافظت الحجامة على مكانها فوق خارطة التداوي محتلةً مساحة تزيد وتنقص مع الزمن ؛ ولكنها لم تختف يوما . بل إن تلك المساحة تتسع يوما بعد يوم؛ فلم تعد الحجامة مجرد ممارسة بدائية تقتصر على الاستطبابات الشعبية  ؛ بعد أن تبنتها عيادات الطب البديل والمراكز العلاجية المبنية على وسائل الطب الحديث. وبعد أن تحولت النظرة إلى الحجامة من " عملية دجل وشعوذة" إلى أحد المعالجات البديلةِ الأكثرِ إحتراماً في كل من أمريكا وأوروبا، حيث اكتسب تعليم المعالجِات البديلِة وجهاً ومعنىً جديدين , وباتت هناك المعاهد المختصة التي تُخرج ممارسي الحجامة المحترفين  وإختصاصيو الطب البديل في أوروبا، والولايات المتّحدة، والصين واليابان. وهكذا بُعثت " الحجامة الحديثة " مجدداً من رحم التاريخ ؛ بعد عقود من الزمان تعرض فيه هذا النوع من العلاج لظلم كبير وتجنيات، تداخلت فيها شعوذة المشعوذين وسحرهم مع طب الأطباء وعلومهم 

****


[1] Eisenberg DM, Davis RB, Ettner SL, Appel S, Wilkey S, Van Rompay M et al (1998): Trends in alternative medicine use in the United States, 1990-97. JAMA; 280:1569-1575.

  

[2] Skaar E (2004): Why Blood letting may actually worked .Science, Sept. vol 305: pp 1626-1628.




تم عمل هذا الموقع بواسطة